للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم كان نتيجة لهذا الفهم الخاطئ لعقيدة القدر أن (تطرف المتصوفة في مفهوم التوكل على الله، وفهموه فهماً خاطئاً فقطعوا الأخذ بالأسباب، وتركوا التحرز والاحيتاط، وفسروا التوكل بغير معناه الشرعي، وخالفوا بذلك الكتاب والسنة.

فالتوكل عند المتصوفة صار يفسر تفسيراً عجيباً، وطبق في حياة القوم تطبيقاً غريباً.

وها هو أحد كبار الصوفية يشرح معنى التوكل عندهم فيكتب (قال الحسن أخو سنان: حججت أربع عشرة حجة حافياً متوكلاً، وكان يدخل في رجلي الشوك، فلا أخرجه، لئلا ينقص توكلي) (وقيل من أدعى التوكل ثم شبع فقد حمل زاداً).

إن هذا النوع من التوكل كاف لهدم المجتمعات، ونشر الفقر بينها وقد يؤدي إلى هلاك أهلها، وهو مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) (١).

إن (التوكل ثمرة الإيمان بالقضاء والقدر ونتيجته، ولذلك فهو عقيدة تقترن بالعمل .. قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [يونس: ٤٩]. وقال تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩)} [آل عمران: ١٥٩].

فمن ترك العمل إطلاقاً، فإنه لم يفهم التوكل على وجهه الصحيح وذلك من التواكل المذموم، الذي يوجد البطالة، وينتج المتسكعين في الشوارع، أو التكايا والزوايا) (٢).

(إلا أن الصوفية يرون أن التوكل يتعارض مع العمل فهو درجة يلتزم بها من يستطيعها منهم، بالطريقة السلبية عندهم) (٣).

لقد أفسد التواكل كثيراً من عقيدة القضاء والقدر، وحولها من عقيدة إيجابية دافعة إلى عقيدة سلبية مخذلة، وإلى الرضا السلبي بالواقع، وعدم محاولة التغيير.

وقد استغل نابليون بونابرت تلك الفكرة المنحرفة عن القضاء والقدر لما احتلت جيوشه الصليبية أرض مصر، فكان يصدر منشوراته بتذكير المسلمين بأن ما وقع لهم من الاحتلال والأسر كان بقدر من الله، فمن حاول الاعتراض على ما وقع فكأنه يعترض على القضاء والقدر (٤).


(١) محمد الناصر، بدع الاعتقاد وأخطارها على المجتمعات المعاصرة، ص ٣٠٢، الطبعة الأولى، مكتبة السوادي، جدة، ١٤١٦ هـ ..
(٢) انظر الأحوال الدينية عند المسلمين (ص ٢٨٣ - ٢٨٥) على بن بخيت الزهراني. نقلاً عن بدع الاعتقاد ص ٣٠٥.
(٣) موقف الإمام ابن تيمية من الصوفية: د أحمد البنانى ص ١٢٥ - ١٢٦ .. نقلاً عن بدع الاعتقاد ص ٣٠٤.
(٤) عجائب الآثار في التراجم والأخبار: الشيخ عبدالرحمن الجبرتي: (٢/ ٢٣٩) دار الفارس، بيروت، نقلاً عن بدع الاعتقاد ص ٣٠٦.

<<  <   >  >>