للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبذلك يحاول المتصوفة مخالفة واقع هذا الدين، ومصادمة نصوصه الواضحة في انحرافات كثيرة، ساهمت في تخلف هذه المجتمعات، وأن تترك قيادة ركب الحضارة لغيرها من الأمم الضالة، بعد أن كانت خيراً وبناء وإعماراً للبشرية كلها، يوم أن كانت تسير على هدي هذا الدين، وتستنير بنوره الوهاج) (١).

ولقد انصرف الصوفية إلى الصلاة أو الصيام والذكر، وقالوا: هذه هي الأعمال المطلوبة للآخرة، أما أمور الدنيا فلا حاجة لنا إلى الخوض فيها، لأنها فتنة توقع في حبائل لشيطان.

(وتم عزل العبادة عن بقية الإسلام حتى كأن الإسلام منحصر فيها دون بقية الأجزاء كالجهاد مثلاً، وأحكام المعاملات أو العلاقات الدولية. ومع أن أكثر الناس إن لم نقل كلهم يعلمون أن الإسلام ليس هو العبادات المفروضة فحسب، فإنهم أهملوا الجوانب الأخرى، وغضوا النظر عنها وأنزلوا مرتبتها. ودعا فريق من المرشدين إلى الإعراض عما سوى العبادات. فالجهاد وإنكار المنكر ورد الطغيان والاستعمار ومقاومة الظلم والعمل في جميع ما ينفع المسلمين من الأمور العامة، كل ذلك في نظر هذا الفريق من الناس وما أكثرهم في عصور الانحطاط - فضول يشغل عن الله وعبادته ... وبينما كانت مقاييس التقوى والصلاح في الإسلام شاملة لجميع الواجبات التي أوجبها الإسلام من عبادات خاصة، وجهاد وعلم وعدل وعمل نافع للناس، واستقامة في المعاملة وإحسان، كل ذلك مقروناً بتوحيد الله والإخلاص له أصبحت مقاييس التقوى محصورة في العبادات) (٢).

وكانت النتيجة بسبب هذا الفكر السلبي إضافة إلى الفكر الإرجائي الذي شجع على التفلت من التكاليف أن وصل العالم الإسلامي إلى حالته الراهنة من الفقر والجهل والمرض

(إن التربية الصوفية على الدعة في التكايا والزوايا، مع سماع الأناشيد والأشعار وفهم مغلوط - عند كثير منهم - لمفهوم القدر، وأن إرادة الله نافذة ولا مجال لدفع العدو بالجهاد .. كل ذلك أبعد المتصوفة عن الجهاد، بل جعل أكثرهم يوالي الأعداء أو ينزوي بعيداً عن أحداث الأمة ونكباتها) (٣).

(وقد طغت الصوفية على العالم الإسلامي، وجعلته ينام في سبات عميق، وتخدره إلى حد لا يفيق منه، فانشغل المسلمون بالأضرحة والقبور، والشفاعة عندها، ولازموا الزوايا والتكايا ورددوا أوراد المشايخ عاطلين عن العمل وحتى العلم الشرعي، وغسل المشايخ أدمغة أتباعهم فصدقوا كل مستحيل، وآمنوا بما يقول الشيخ العتيد، فكانت تربيتهم للأتباع تربية ذليلة في الغالب، وقد يخرج المجاذيب إلى الشوارع يدعون على الكافر المارق ذي المدافع والدبابات. ... .. إن هذا السبات العميق، والجهل الشديد، كان نتيجة طبيعية للآثار السلبية التي تركها المتصوفة تنخر في جسم الأمة، إضافة إلى أمراض أخرى) (٤)


(١) بدع الاعتقاد ص ٣٠٦.
(٢) المجتمع الإسلامي المعاصر، محمد المبارك، ص ٦٦ - ٦٧، دار الفكر بيروت، الطبعة الأولى، ١٣٩١ هـ. نقلا عن الانحرافات العقدية والعلمية ص (١/ ٩٩ - ١٠٠).
(٣) بدع الاعتقاد ص ٣٠٧.
(٤) بدع الاعتقاد ص ٢٧٢.

<<  <   >  >>