للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقالوا: اسألوه عن الروح، فسألوه فأنزل الله: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ} الآية١.

هنا روايتان: إحداهما عن البخاري فهي صحيحة، والأخرى عن الترمذي وقد صححها أيضا، إلا أن صحيح البخاري يقدم لدى الجمهور على صحيح الترمذي, فالرواية الأولى أرجح من هذا الوجه، ثم إن ابن مسعود في هذه الرواية الراجحة قد حضر القصة وعاينها وما راء كمن سمع، وهذا وجه ثان في ترجيحها، بل هو الوجه الأقوى في الترجيح٢.

وإذا كنا نأخذ في بيان السببية بالرواية الأرجح الأصح، مع أن ثمة رواية أخرى صحيحة كذلك لكنها مرجوحة، فمن الطبيعي بعد ذلك أن ما صحت فيه إحدى الروايتين دون الأخرى لم يعول فيه إلا على الصحيحة. مثال ذلك ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن جندب قال: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين, فأتته امرأة فقالت: يا محمد, ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فأنز الله: {وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} ٣. وأخرج الطبراني وابن أبي شيبة، عن حفص بن ميسرة عن أمه عن أمها، كانت خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن جروا دخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل تحت السرير، فمات، فمكث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي، فقال: يا خولة، ما حدث في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ جبريل لا يأتيني! فقلت في نفسي: لو هيأت البيت وكنسته، فأهويت بالمكنسة تحت السرير، فأخرجت الجرو فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ترتعد لحيته، وكان إذا نزل عليه أخذته الرعدة، فأنزل الله: {وَالضُّحَى} وإلى قوله: {فَتَرْضَى} . ورائحة الوضع


١ الإتقان ١/ ٥٥.
٢ وفي هذا يقول السيوطي: "وقد رجح بأن ما رواه البخاري أصح من غيره" وبأن ابن مسعود كان حاضر القصة" الإتقان ١/ ٥٥.
٣ البخاري ٦/ ١٨٢.

<<  <   >  >>