للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ظاهرة في الرواية الثانية، فكل ما فيها من اللفظ والمعنى يدعو إلى الدهشة والاستغراب، بينما الرواية الأولى صحيحة، فلا مسوغ لترددنا وتساؤلنا: أيهما تعمل وأيهما تهمل؟ إذ لا مكان للباطل إلى جانب الصحيح، قال ابن حجر: "قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة, لكن كونها سبب نزول لآية غريب، وفي إسناده من لا يعرف، فالمعتمد ما في الصحيح"١.

وقد تكون حادثة واحدة سببا في نازلين أو أكثر من القرآن، وهوم ما يعبرون عنه بقولهم: "تعدد النازل والسبب واحد". مثال الحادثة الواحدة تكون سببا في نازلين، ما أخرجه ابن جرير الطبري والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل شجرة فقال: "إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان, فإذا جاء فلا تكلموه". فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق العينين, فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "علام تشتمني أنت وأصحابك؟ " , فانطلق الرجل فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز عنهم، فأنزل الله: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} من سورة التوبة.

وأخرج الحاكم هذا الحديث بهذا اللفظ وقال: فأنزل الله {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ، اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} من سورة المجادلة٢.

ومثال الحادثة الواحدة تكون سببا في أكثر من نازلين من القرآن ما أخرجه الحاكم والترمذي عن أم سلمة أنها قالت: يا رسول الله، لا أسمع الله ذكر


١ الإتقان ١/ ٤٥ "الروايتان كلتاهما مع تعليق ابن حجر في الصفحة نفسها".
٢ الإتقان ١/ ٥٨.

<<  <   >  >>