للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حين يكون وجه المناسبة متوقفا على معرفة الأسباب، كما في آية "أداء الأمانات إلى أهلها" فلولا التحقق من سببها لتعذر على القارئ العادي التماس وجه تناسبها مع السياق القرآني سابقه ولاحقه.

وإن في تساؤل المفسرين -رغم ما جرت به عادتهم من الابتداء بذكر الأسباب- عن الأولى أن يبتدئوا به تقديم المناسبة أم تقديم السبب، لإيحاء أقوى من التصريح بأن ارتباط آي القرآن، وتناسق بعضها مع بعض، واقتران كلماتها وجملها، ومشاهدها وصورها، علم عظيم أودعت فيه أكثر لطائف القرآن وروائعه، وفسرت في ضوئه أكثر أحكامه وشرائعه. لذلك كان الإمام أبو بكر النيسابوري١ الذي أظهر هذا العلم بغداد يزري على علماء بلده لجهلهم وجوه المناسبة بين الآيات، وكان لا يني يقول إذا قرئت عليه الآية أو السورة، لم جعلت هذه الآية إلى جنب هذه؟ وما الحكمة في جعل هذه إلى جنب هذه السورة؟ ٢.

وفي صنيع أبي بكر النيسابوري هذا اتجاه جديد إلى الكشف عن الترابط بين السور إلى جانب الكشف عن التناسب بين الآيات، والحق أن الذي ينبغي التنقيب عنه والاستيثاق من نتائجه هو بالمقام الأول وجه المناسبة بين الآيات، إذ يبحث أول كل شيء عن الآية: أمكملة لما قبلها أم مستقلة؟ ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها؟ ولم سيقت هذا السياق؟

أما التماس أوجه الترابط بين السور -على ما فيه من تعسف وتكلف- فهو مبني على أن ترتيب السور توقيفي، ولهذا انتصرنا وعليه عولنا٣، إلا أن ترتيب السور التوقيفي لا يستلزم حتما أن يكون بين كل سورة سابقة


١ هو الفقيه الشافعي الحافظ، أبو بكر عبد الله بن محمد، قرأ على المزني, ثم صار إماما للشافعية بالعراق، توفي سنة ٣٢٤ "شذرات الذهب ٢/ ٣٠٢".
٢ البرهان ١/ ٣٦.
٣ ارجع إلى ما فصلناه ص٦٩-٧١ من هذا الكتاب.

<<  <   >  >>