للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بصياغته العامة هذه نفرا من منافقي الأوس والخزرج كانوا في عصر التنزيل ثم لم يلبثوا أن انقرضوا١؟ وإذا تناول القرآن أولئك النفر تناولا أوليا ووصف أخلاقهم وصفا مطابقا، فهل من مانع عقلي يحجز هذه الآيات ونظائرها عن أن تكون عبرة عامة شاملة، "ونموذجا" خالدا شاخصا لمن مضى ولمن يجيء من هذا الصنف إلى يوم القيامة في كل طائفة تدعي أنها على دين؟ ٢ أولم يوفق بعض المفسرين حين رأوا في تأويل نظائر هذه الآية أنها تعني المنافقين من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم، ولو خص نزولها بالأوس والخزرج وحدهم كل من ابن عباس وأبي العالية والحسن وقتادة والسدي؟ ٣.

وفي المعارك الإسلامية الأولى في حياة الرسول الكريم كان على المسلمين أن يحذروا عدوهم الداخلي مثل حذرهم من عدوهم الخارجي أو أشد, فقد نطقت آيات في سورة النساء بأن في عداد المؤمنين من قومهم المتشبهين بهم من لا عمل لهم في المعارك إلا تثبيط الهمم, وتوهين العزائم، وإذاعة الأراجيف لبعثرة الصفوف. أولئك هم المبطئون المتثاقلون كلما دعوا إلى خوض المعركة.

أولئك هم الذين يتخلفون ويتلكئون ليعرفوا المصير: أقاتم أسود أم مشرق مضيء! فإذا محص الله المجاهدين المخلصين بمحنة أو بلاء أو درس بليغ فرح القاعدون بقعودهم، وتبجحوا بنعمة الفرار التي أنقذتهم من الهزيمة والقتل والجراح. وإذا أظفر الله المجاهدين بعدوهم، ونصرهم عليهم, سارع أولئك المتخلفون إلى الحسرة والندامة، وودوا لو نفروا مع المجاهدين خفافا وثقالا، ثبات وجميعا، ليكتب لهم من الفوز والغنيمة ما كتب للمرابطين الصابرين، نجد هذا التصوير النفسي الفني كله مكشوفا للأبصار في قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ


١ قارن بتفسير المنار ١/ ١٤٨-١٤٩ في تأويل قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} الآيات من سورة البقرة.
٢ قارن بتفسير ابن كثير ١/ ٤٧ في تأويل الآيات المصورة للمنافقين في سورة البقرة أيضا.
٣ تفسير ابن كثير ١/ ٤٨.

<<  <   >  >>