للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإمام الزركشي حين عقد فصلا لخصوص السبب وعموم الصيغة، ثم قال: "وقد يكون السبب خاصا والصيغة عامة، لينبه على أن العبرة بعموم اللفظ"١. ثم استشهد بقول الزمخشري في "الهمزة" على النحو الذي رأيناه.

على أن هذه "النماذج" الإنسانية المتكررة في كل جيل، المتشابهة في كل بيئة -وإن ظهرت كالمتخطية لكل زمان ومكان - خضعت أول ما خضعت لمناسبات وأسباب بتناولها أشخاصا معينين تناولا أوليا مباشرًا, ولكن في القرآن أنماطا إنسانية أخرى مهما يجهد المفسرون أنفسهم لتعيين المقصودين بها لا يهتدوا إلى تعيينها سبيلا، إذا وردت في القرآن حقا فوق الزمان والمكان والأشخاص، ونزلت ابتداء -من غير أسباب ولا مقدمات ولا نطاق حاصر ولا محصور- كأنها لوحات فنية تصور الجنس الإنساني وحدة كامة متشابهة أو أفرادا من هذا الجنس تفردت بملامح يحكي بعضها بعضا.

ليقل المفسرون ما يحلو لهم في تأويل قول الله تعالى: {إِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} ، فإن أحدا منهم لن يستطيع تعيين شخص مقصود بهذه الصورة الحية الفريدة، وإن أحدا منهم -في نظري- لن يجد فيها أبدع ولا أروع ولا أصدق انطباقا على الواقع النفسي من قولة الكاتب الإسلامي المعاصر المبدع الأستاذ سيد قطب: "الإنسان هكذا حقا: حين يمسه الضر، وتتعطل فيه دفعة الحياة، يتلفت إلى الخلف، ويتذكر القوة الكبرى، ويلجأ عندئذ إليها، فإذا انكشف الضر، وزالت عوائق الحياة انطلقت الحيوية الدافعة في كيانه، وهاجت دواعي الحياة فيه، فلبى دعاءها المستجاب، و"مر" كأن لم يكن بالأمس شيء"! ٢.


١ البرهان ١/ ٣٢.
٢ التصوير الفني في القرآن ١٧٨. الطبعة الثانية. وأنصح القارئ بقراءة فصل "نماذج إنسانية" في هذا الكتاب فإنه يغني عن قراءة مجلدات ضخام في بلاغة العربية والقرآن.

<<  <   >  >>