للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد كانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم سلسلة من الجهاد المتواصل، فكثر نزول الوحي عليه في مغازيه: ففي بدر عقب الواقعة نزل أول الأنفال١، وفي عمرة الحديبية نزل قوله تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} ٢، وفي تبوك نزل قوله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} ٣. وقد تتبع السيوطي عددا من الأمثلة الأخرى تراجع في موضعها من "الإتقان"٤.

وليلة الإسراء والمعراج ليست إلا ليلة في حساب الزمان، ولكنها جزء من الأزل البعيد العميق في علم الله، فمن القرآن آيات نزلت في تلك الليلة القدسية، ولئن صح أن قوله تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} ٥ نزل ببيت المقدس عندما أسرى الله بعبده ليلا٦، فإن الآيتين من آخر سورة البقرة نزلتا -كما يقول ابن العربي: "في الفضاء بين السماء والأرض"٧ حين رأى محمد من آيات ربه الكبرى ساعة المعراج.

وهذا الاستقصاء في تحري ما عسى أن يبدو لبعضهم غير ذي بال لم يكن له في نفوس الرواة والعلماء إلا تفسير واحد: إنه صدق الرواية وإمكان الثقة بها إلى أبعد حد فيما يتعلق بتحديد المكي والمدني في كتاب الله.

وعلى هذا الأساس من الدقة والاستقصاء فرق العلماء بين ما يشبه تنزيل


١ الإتقان ١/ ٣٢.
٢ سورة البقرة ١٨٩ "وانظر الإتقان ١/ ٣٠" ويرى بعضهم أنها نزلت في غزوة الفتح أو في حجة الوداع.
٣ سورة الإسراء ٧٦ "وانظر الإتقان ١/ ٣٢".
٤ الإتقان ٣٠-٣٤ "النوع الثاني معرفة الحضري والسفري".
٥ سورة الزخرف ٤٥.
٦ البرهان ١/ ١٩٧.
٧ الإتقان ١/ ٣٨.

<<  <   >  >>