للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المدينة في السور المكية وما يشبه تنزيل مكة في السور المدنية١، وغرضهم من التعبير، "بالتشبيه" واضح، فإنهم يلاحظون الطابع العام لكل سورة ثم ما يشبه هذا الطابع شبها قريبا يكاد يلحقه به، فإذا وجدت في سورة هود المكية مثل قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} ... ٢ فليس من الضروري أن تعتبرها مدنية وإن أشبهت التنزيل المدني. وإذا تلوت في سورة الأنفال المدنية مثل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ٣ فليس لك أن تحكم بأنها مكية ولو كان فيها من التنزيل المكي ظلال وسمات.

وكثيرا ما يصرف وجه الشبه القريب بين المكي والمدني الباحثين المتسرعين عن تتبع مرحلة دقيقة خطيرة في تاريخ الدعوة الإسلامية, حين تستدعي ظروف معينة حمل النازل القرآني من مكان إلى مكان، ولكن العلماء الثقات وافونا بذلك كله، فلكل آية في القرآن تاريخها، بل لكل لفظة فيه سيرتها وترجمتها: فمن شيخ المفسرين الطبري علمنا أن قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} ٤ حمل من المدينة إلى مكة٥، ومن القرطبي٦ علمنا أن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا


١ انظر البرهان ١/ ١٩٦.
٢ في تفسير القرطبي ٩/ ١١٠-١١١ أنها نزلت في رجل من الأنصار يسمى أبا اليسر بن عمرو. وفي "البرهان ١/ ١٩٦" أنها نزلت في أبي مقبل الحسين بن عمر بن قيس والمرأة التي اشترت منه التمر، فراودها. والآية في سورة هود ١١٤.
٣ سورة الأنفال ٣٢ "وانظر البرهان ١/ ١٩٧" ومن ذلك أن بعض العلماء استثنى من سورة الأنفال المدنية أيضا قوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} الآية ٣٠ فقالوا: إنها مكية، ولكن السيوطي في "الإتقان ١/ ٢٤" لا يصوب ذلك ويقول: "يرده ما صح عن ابن عباس أن
هذه الآية بعينها نزلت بالمدينة كما أخرجناه في أسباب النزول".
٤ سورة البقرة ٢١٧.
٥ تفسير الطبري ٢/ ٢٠١-٢٠٦ وانظر البرهان ١/ ٢٠٣-٢٠٤.
٦ هو الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج الأنصاري الخزرجي الأندلسي المشهور بالقرطبي. صاحب "الجامع لأحكام القرآن" توفي سنة ٦٧١هـ.

<<  <   >  >>