للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَقِيَ مِنَ الرِّبا} ١ حمل مع الآيات من أول سورة براءة من المدينة إلى مكة، ثم قرأها علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم النحر على الناس٢.

وحين نجد علماءنا يبذلون هذا الجهد المشكور في تحري الروايات وضبطها ليرتبوا السور القرآنية تبعا لتطورات الدعوة وأدق جزئياتها، لا نملك أنفسنا من الدهشة والذهول إذ نسمع المستشرقين يدعون بالويل والثبور على الرواة والروايات، ويرتابون في إمكان ترتيب القرآن اعتمادا على سيرة الرسول٣.

ومن الغريب حقا أن يظن المسشرقون أن في وسعهم ترتيب القرآن زمنيا وهم يجحدون كل أثر للرواية الصحيحة في هذا الترتيب، ولو كانوا يتشددون في الروايات فلا يقبلون منها إلا المسندة الصحيحة لهان الأمر, فإن علماء الإسلام أنفسهم كانوا -ولا يزالون- يرفضون الأخذ بالروايات الضعيفة في المكي والمدني وغيرهما من الموضوعات التي تلقي الضياء ساطعا على تتبع مراحل الوحي القرآني، وترتيب سوره وآياته، وتدرج تعاليمه، وإرشاداته، على أن بين المستشرقين من حاول أن يبحث هذا الموضوع على صعيد لا يختلف كثيرا عن صعيدنا، كالأستاذ غريم H. Grimme الذي اعتمد على الروايات والأسانيد الإسلامية في ترتيب سور القرآن٤. ويؤخذ عليه مع ذلك أمران: أما أحدهما فعدم تمحيصه صحيح تلك الروايات وسقيمها وعجزه كسائر المستشرقين عن هذا التمحيص، ولذلك لم يبال بترتيب القرآن على أساس واه من الأسانيد الضعيفة أحيانا والباطلة أحيانا أخرى. وأما الآخر فهو تخليه عن المنهج الذي اشترطه على نفسه من احترام الروايات ليصدر في نهاية المطاف


١ سورة البقرة ٢٧٨.
٢ تفسير القرطبي ٣/ ٣٦٣-٣٦٤.
٣ انظر على سبيل المثال: Blachere, Intro. Cor., ٢٥٢
٤ انظر منهجه في الاعتماد على الروايات في كتابه:
H. Grimme, Mohammed, ٢e partie "munster, ١٨٩٥"; cf. ;Blachere, Intro., ٢٥٠.

<<  <   >  >>