للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وارث السموات والأرض، يحيي ويميت وإليه المصير.

وللقرآن أطرف الأساليب في إيقاظ الهجع الرقود: إن قصصه الديني ليفتح القلوب الغلف، ويضيء العيون العمي، ويرهف الآذان الصم، حين يذيع أسرار الوجود. لذلك عرضت سورة "الحجر" هنا حقائق الهدى والضلال من خلال قصة آدم وإبليس: إن هذين المخلوقين يختلفان في المنشأ فلا عجب إذا اختلفا في المصير. أما آدم فمخلوق من طين هذه الأرض، من صلصالها اليابس الذي يصلصل إن نقر، وفيه نفحة من روح الله يستشرف بها إلى الملأ الأعلى، وهو بذلك جدير بأن تقع له الملائكة ساجدين. وأما إبليس فمخلوق من نار سامة١، ولهب خالص, فالشر يكتنفه من كل جانب، والغرور يدفعه إلى الاستعلاء، فيأبى السجود لآدم، ويحصر وظيفته في إغواء ذريته إلا عباد الله المخلصين.

وهكذا انقسم البشر: إلى غاوين من أتباع إبليس، يدخلون جنهم داخرين لكل باب من أبوابها السبعة صنف معلوم٢، ومهتدين من عباد الرحمن ينعمون بالجنات والعيون، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

وحقائق الهدى والضلال حلقات متتابعات في قصص الأنبياء: فليستمع المشركون إلى قصة إبراهيم مع الملائكة المرسلين إلى قوم لوط، وليذكروا كيف خاف منهم ثم اطمأن إليهم حين بشروه على الكبر بغلام عليم، وإلى قصة لوط حين ضاق ذرعا بقومه الفجرة الفاحشين، فأسرى بأهله ليلا قبل أن يداهمهم الصبح القريب بمطر من حجارة من سجيل، وإلى قصة أصحاب الأيكة الذين كذبوا شعيبا فلقوا مصرعهم في وقته المحتوم، وإلى قصة أصحاب


١ قال ابن عباس في قوله تعالى: {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} : "وهي السموم التي تقتل"، وعن ابن مسعود: "هذه السموم جزء من سبعين جزءا من السموم التي خلق منها الجان". راجع تفسير ابن كثير ٢/ ٥٥٠.
٢ قارن بتفسير الطبري ١٤/ ٢٤.

<<  <   >  >>