للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن أبرز الحقائق التي تعالجها سورة "إبراهيم" وحدة الدعوة التي نادى بها رسل الله، وتنزيه الله عن كل شريك، وتذكير المشركين بالبعث والحساب، وعرض آلاء الرحمن التي يكفر بها الإنسان، وإن أبرز المشاهد التي رسمتها سورة "إبراهيم" مواقف المكذبين المعاندين للأنبياء، وصور المجرمين في جهنم والمتقين في الجنات، وسياط التبكيت والتأنيب تصب على الإنسان الظلوم الكفار الذي يتعامى عن صفحات الكون الجميلة وهي معروضة على الأنظار١.

وإنها لنظرة عجلى لا يكتفي بمثلها إلا الذي يقرأ القرآن غافلا عن الأضواء الخاصة التي تتوهج في كل سورة, وعن الإيحاءات الخاصة التي يبثها في القلوب كل مقطع قرآني جديد.

ولعل أهم ما امتازت به هذه السورة أن مظللة في جميع مقاطعها بشخصية النبي الصفي الذي سميت باسمه: شيخ الأنبياء إبراهيم. فمن خلال دعوته المباركة برزت وحدة الرسالة في جميع الأجيال, وفي ظلال إيمانه الراسخ نبتت فكرة التوحيد، وفي إطار من قلبه المنيب رسمت لوحات الكون الجميل, ثم صورت مواقف الشكر والجحود.

وينبغي ألا يفوتنا أن إبراهيم إنما ذكر في وسط السورة أثناء الحديث عن نعم الله التي لا تحصى، وأن صورته فيها جسمت "نموذج" الصبار الشكور, الذي لا ينفك يبتهل إلى الله ويسبح بحمده بكرة وعشيا، ولكن هذه الصورة طبعت السياق كله طبعة واحدة وتركت في كل مقطع منه ظلا من إبراهيم الخليل.

ولقد جاء في مطلع السورة ذكر موسى، ثم تلاه ذكر قوم نوح وعاد وثمود، إلا أن هذه الأسماء الضخمة -رغم تمهل السياق في عرض طائفة من الأحداث المرتبطة بها- لم يكن لها في محور السورة توجيه: فما تحدثت


١ انظر المسائل الكبرى في هذه السورة في تفسير الرازي ٥/ ٢١٣.

<<  <   >  >>