للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإشارة إلى هذه القضايا المتشابكة في التنزيل المدني تغني عن تفصيل الجزئيات ولو كانت هذه الجزئيات لا تعدو الخطوط العريضة الكبرى.

وبحسبنا -إن غضضنا النظر عن تعاقب المراحل المدنية ابتداء ووسطا وختاما- أن نومئ فقط إلى رءوس المسائل التي وردت في سورة واحدة من المرحلة المدنية الأولى هي سورة الأنفال، أو سورة بدر الكبرى كما كان يسميها عبد الله بن عباس١.

افتتحت هذه السورة بالحديث عن الآنفال، فالمعركة قد انتهت، والنصر قد تحقق، وبدأ المسلمون يختلفون في الغنائم والأسلاب، ثم رسمت صورة فريق من المؤمنين أقبلوا على المعركة كارهين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون، ثم صورت استغاثة المؤمنين بربهم، ومده لهم بالملائكة والنعاس والماء يذهب عنهم رجس الشيطان، ثم أمست عبارتها صاخبة بما توالى فيها من الأوامر والأحكام العسكرية المتعلقة بالفرار يوم الزحف، ويمتن الله -بعد ذلك- على المؤمنين بالنصر، فما قتلوا عدوهم ولكن الله قتلهم، وما النصر إلا من عند الله، وتتعاقب التعاليم الدينية والأخلاقية للمؤمنين بعد المعركة، فليطيعوا الله والرسول، وليحذروا الفتن العامة التي يختلط فيها الفاسد بالصالح, وليحذورا خيانة الله وخيانة أماناتهم وهم يعلمون.

وتستعرض السورة -في غضون هذه التعاليم- صورا من مكر الكافرين وعنادهم، وتقرر مبادئ عامة في اضمحلال القوى الكافرة واستحالة أموالها حسرات عليها. ثم تنذر الكافرين بقتالهم لحماية العقيدة ونشر دين الله, وتتحدث عن الغنائم وطرقة توزيعها ومصارفها، وتصور جانبا من معركة بدر وتفصل وقائعها حين كان المؤمنون بالعدوة الدنيا والمشركون بالعدوة القصوى والركب أسفل منهم، وترتد إلى المؤمنين, كرة أخرى تحذرهم من الاغترار بالنصر، ومن السير للقتال بطرا ورياء، وتعرض عليهم صورة الكافرين على


١ قارن بتفسير الرازي ٤/ ٤٣٦.

<<  <   >  >>