للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتيسر أدوات النسخ والكتابة والنقل في المدينة.

وإذا أغفلنا النزر القليل الذي اختلفت في مدنيته، أو تعددت الروايات في سبقه وتأخره، وسعنا أن نتفق مع المحققين من المفسرين على أن المرحلة المدنية الأولى افتتحت بالبقرة، ثم تلتها الآنفال، ثم آل عمران، فالأحزاب، فالممتحنة، فالنساء، فالحديد، وأن المرحلة المدنية المتوسطة بدأت بسورة محمد، ثم تلتها الطلاق، فالحشر، فالنور, فالمنافقون، فالمجادلة، فالحجرات، وأن المرحلة الثالثة والنهائية في المدينة استهلت بالتحريم, ثم تلتها الجمعة، فالمائدة، فالتوبة، فالنصر.

ولعل القارئ يتوقع -رغم طول هذا الفصل بين يديه -أن نختار الآن أيضا من كل زمرة من هذه الزمر المدنية الثلاث سورة واحدة نحللها على نحو ما صنعنا في المراحل المكيات الثلاث، فنستغني بسورة "البقرة" عن الزمرة المدنية الأولى، وبـ"النور" عن الثانية، وبـ"المائدة" عن الثالثة الختامية.

ولكننا نؤكد لكل من قرأ هذا الفصل بعناية -وما نظننا بحاجة إلى التأكيد- أننا حتى لو اكتفينا بعرض الخطوط التشريعية الكبرى في هاتيك السور "النموذجية" الثلاث، لطال بنا الحديث، وغلبت على أسلوبنا عبارات الأصوليين والفقهاء، وخرجنا بكتابنا عن الغاية الأدبية التي من أجلها ألفناه: فإن الحقائق الشرعية في العبادات والمعاملات, والحلال والحرام, والأحوال الشخصية والقوانين الدولية, وشئون السياسة والاقتصاد, وأحوال السلم والحرب، ووقائع المعارك والغزوات، تتردد في جل هذه السور المدنية بنسب متفاوتة, وأشكال متغايرة تتجدد باستمرار, بل بأشكال تبدو جدتها أحيانا ناسخة لما قبلها، أو مبدلة لحكمه١، أو مفصلة على الأقل لشيء من إجماله، ومقيدة لبعض إطلاقه، ومخصصة لبعض عمومه. لذلك رأينا أن


١ وهذا ما يلجئنا إلى عقد فصل مستقل لما نسميه علم الناسخ والمنسوخ، ومن خلاله يمكن فهم هذه الأشكال المتجددة باستمرار في أحكام بعض المقاطع القرآنية.

<<  <   >  >>