للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعقب تحليلنا لهذه السورة -بعد سورتي الصافات والكهف- أشرفنا على نهاية الوحي في مكة، وبتنا نستشعر جوا جديد يكاد يجعل المرحلة المكية الثالثة مرحلة انتقالية تتوسط بسورها الطوال وحي مكة الذي تم نزوله ووحي المدينة الذي سيتعاقب على ما يجد من الوقائع بعد الهجرة, وربا فسرنا -في ضوء هذه المرحلة الانتقالية- كثرة الآيات والمقاطع التي التبست على المفسرين فظنوها مدنية واستثنوها من بعض السور المكية غافلين عن العامل الزمني الذي نعتقد نحن أنه فرض تلك المقاطع ذات الطابع المدني على سور طابعها مكي -مع أن السور برمتها مكية خالصة- وفقا لتمهيده الطريق بين مراحل الوحي المدني المقبل سريعا من وراء حجاب الغيب.

ولقد امتازت سور المرحلة المكية الختامية بطولها وطول آياتها، وافتتاح طائفة منها ببعض الحروف المقطعة، وتوجيه الخطاب فيها إلى الناس جميعا لا إلى أهل مكة وحدهم، والتذكير بطاعة الله ورسوله تمهيدا لما سيفصل في المدينة من الفرائض والواجبات، والدعوة إلى الإحسان والعمل الصالح للفوز بالجنة والنجاة من النار، وتوضيح شئون الغيب المتعلقة بذات الله وصفاته، أو بالملائكة والجن، أو بالأنبياء والأولياء، أو بالمعجزات والكرامات، ورد الهداية والضلال إلى الله إلى جانب ما يتصرف به الإنسان في حدود حريته واختياره، وعرض قصص النبيين ولا سيما أئمتهم المعظمين كإبراهيم, وتصوير عقيدة التوحيد بأسلوب جديد.

ولا ريب أننا أسهبنا الحديث عن السور المكية بمراحلها الثلاث، وكان مقصدنا من ذاك الإسهاب واضحا: هو تقصي أطوار التنزيل لتعيين السابق منها والمسبوق، وإبراز الملامح الصريحة التي تعيننا على ترجيح الإطار الزمني المتنزلة فيه طائفة من السور والآيات. وقد أشرنا آنفا إلى صعوبة الجزم في تصوير المراحل المكية، ولا سيما في بدء الوحي, وإلى سهولته في تعيين المراحل المدنية حتى آخر ما نزل من الوحي، وعللنا ذلك بانتشار الإسلام

<<  <   >  >>