للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلماذا تكون القاف مثلا الحرف الأول من اسم الله القاهرة، لا من اسمه القدوس أو القدير أو القوي؟ ولماذ تدل العين على العليم لا على العزيز، والنون على النور لا على الناصر، والصاد على الصادق لا على الصمد؟ ومن أين لنا أن {الم} هي الأحرف البارزة في "الرحمن" لا في "الرحيم" ولا في قولهم المشهور "اللهم"١؟

وقال قوم -من غير أن يلجئوا في الفواتح إلى أخذ كل حرف منها من اسم من أسماء الله: إنها برمتها وعلى اختلاف صيغها اسم الله الأعظم٢، عبر عنه تعبيرات مختلفة تباين ما عهدناه في تأليف كلامنا, وقد نقل هذا الرأي ابن عطية٣، وقريب من هذا الاتجاه الرأي القائل: إن أوائل السور قسم أقسم الله فيه بنفسه٤، لأن كل فاتحة منه اسم من أسماء الله، ولا يبعد عن هذا التأويل اعتبار هذه الحروف أسماء علمية للقرآن بوجه عام، أو لبعض سور القرآن المفتتحة بها بوجه خاص٥.

لكن أغرب ما في هذا الباب، وأبعده عن الحق والصواب، ما ذهب إليه المستشرق الألماني نولدكه "Noldeke" في رأيه الأول الذي عدل عنه فيما بعد من الحكم بأن أوائل السور دخيلة على نص القرآن: ففي الطبعة الأولى لكتابه عن تاريخ القرآن بالاشتراك مع شفالي "Schwally" تظهر -لأول مرة في تاريخ الدراسات القرآنية- نظرية لا ترى في أوائل السور إلا حروفا أولى


١ ومثل هذا الاستغراب يبديه القاضي الباقلاني من نظائر هذه التأويلات الشخصية التعسفية "انظر تفسير الرازي ٤/ ١٧٧" وكيف لا نستغرب -مع القاضي الباقلاني- ما قيل من أن {طه} مثلا معناه "يا بدر" لأن الطاء بتسعة، والهاء بخمسة، فذلك أربع عشرة إشارة إلى البدر لأنه يتم فيها "الإتقان ٢/ ١٨"!؟
٢ تفسير ابن كثير ١/ ٣٦ "وانظر الإتقان ٢/ ١٥".
٣ كما في الإتقان ٢/ ١٥٢ وابن عطية هو الإمام عبد الحق بن غالب بن عبد الرءوف، وله تفسير يسمى "المحرر الجيز" منه مخطوطة في دار الكتب بالقاهرة برقم ١٦٨ تفسير. وقد توفي ابن عطية بمدينة لورقة سنة ٥٤٦.
٤ الإتقان ٢/ ١٥.
٥ انظر تفسير الطبري ١/ ٦٧ وتفسير ابن كثير ١/ ٣٦.

<<  <   >  >>