للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرأي السديد أخذ ابن ظفر١ في كتابه"الينبوع" إذ أنكر عد هذا مما نسخت تلاوته وقال: "لأن خبر الواحد لا يثبت القرآن"٢.

ولم تكف عشاق النسخ تلك الأضرب التي استنبطوها من أخبار الآحاد الظنية، بل ذهب بهم الغلو كل مذهب حتى زعموا أن الناسخ أيضا يجوز نسخه، فيصير الناسخ منسوخا، ومثلوا لذلك بقوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} ٣ فقد نسخه -بزعمهم- قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} ٤ ثم نسخ هذا بقوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ٥. وأطرف ما في هذا الاستشهاد أن آية الجزية تتعلق بأهل الكتاب، فكيف تنسخ آية في المشركين٦؟

وكانت مبالغات بعض العلماء في الناسخ والمنسوخ تخالف البداهة، وتعارض منطق الأشياء: فهذا هبة الله بن سلامة٧ يتكلم على ما في سورة "الإنسان" من النسخ فيرى أنها محكمة إلا آيتين منها وبعض آية٨، ويبدأ ببعض الآية المنسوخ فإذا هو لفظ "وأسيرًا" من قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ


١ هو أبو عبد الله بن ظفر، محمد بن محمد الصقلي المتوفىي سنة ٥٦٨. ومن كتابه "الينبوع" أجزاء متفرقة من نسخة خطية بدار الكتب بالقاهرة برقم ٣١٠ تفسير.
٢ قارن بالبرهان ٢/ ٣٦. ومن هنا تشدد القوم في نسخ القرآن، فقالوا: لا ينسخ قرآن إلا بقرآن ومرادهم: لا ينسخ القطعي إلا بالقطعي، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} ، قالوا: ولا يكون مثل القرآن وخيرا منه إلا قرآن. قارن بالبرهان ٢/ ٣١.
٣ سورة "الكافرون" ٦.
٤ سورة التوبة ٥.
٥ سورة التوبة ٢٩. وقارن بالبرهان ٢/ ٣١.
٦ وقريب من هذا ما رووه من أن قوله تعالى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [سورة البقرة: الآية ١٠٩] نسخه قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِين} ثم نسخ هذا قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} البرهان ٢/ ٣١.
٧ هو هبة الله بن سلامة بن أبي القاسم البغدادي المتوفى سنة ٤١٠ "انظر شذرات الذهب وفيات سنة ٤١٠". وكتابه "الناسخ والمنسوخ" مطبوع في مصر بمطبعة هندية سنة ١٣١٥ "بهامش أسباب النزول" للواحدي.
٨ ابن سلامة "الناسخ والمنسوخ" ص٣٢٠.

<<  <   >  >>