للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} ١ فالمراد بذلك غير أهل القبلة من أسرى المشركين, وقد نسخ -بزعمه- إطعام أسرى المشركين بآية السيف٢.

ثم قرئ على ابن سلامة كتابه في "الناسخ والمنسوخ" وابنته تسمع، فلما انتهى إلى هذا الموضع هالها أن يحمل أباها شغفه بالنسخ على نسيان مبدأ أخلاقي ثابت في الإسلام، بل مجمع على ثبوته في جميع الأديان، فقال: أخطأت يا أبت في هذا الكتاب! فقال لها: وكيف يا بنية؟ قلت: أجمع المسلمون على أن الأسير يطعم ولا يقتل جوعًا!! فقال: صدقت٣.

ولئن جعل منكرو النسخ المنسوخ مخصوصا فقد عكس أصحاب النسخ الآية فجعلوا المخصوص منسوخا: فكم من آية خصصت باستثناء٤ أو غاية أو بآية أخرى فطبعوها بطابع النسخ غير مبالين باتصال السياق وتناسقه، وتعلق آخره بأوله. قال السيوطي٥: "وقسم هو من قسم المخصوص لا من قسم المنسوخ، وقد اعتنى ابن العربي بتحريره فأجاد: كقوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} ، {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ، {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} وغير ذلك من الآيات التي خصت


١ سورة الإنسان ٨.
٢ ابن سلامة "الناسخ والمنسوخ" ص٣٢١. ومراده بآية السيف قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [سورة التوبة: ٥] .
٣ قارن بالبرهان ٢/ ٢٩ والإتقان ٢/ ٣٩.
٤ قارن بقول ابن سلامة في "الناسخ والمنسوخ ٢٦": "وقال آخرون: كل جملة استنثى الله منه بـ"إلا" فإن الاستثناء ناسخ لها.
٥ الإتقان ٢/ ٣٦. وقارن "بالناسخ والمنسوخ لابن سلامة" ٨٥. ومن ذلك أن بعض العلماء ظنوا قوله تعالى في سورة التوبة {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} منسوخا بآيات العذر كقوله في سورة الفرقان: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} وقوله في سورة التوبة: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} الآية: "انظر الناسخ والمنسوخ لابن سلامة ص١٨٦". والحق أن الآية منسوخة بالآيات التي ذكرت، فهذا من باب النسخ، وكأنه قال: لينفر منكم من احتيج إليه وهو غير أعمى ولا مريض ولا ضعيف.

<<  <   >  >>