للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد يحكم به عند وجود التعارض المقطوع به مع علم التاريخ ليعرف المتقدم والمتأخر. ولا يعتمد في النسخ قول عوام المفسرين بل ولا اجتهاد المجتهدين من غير نقل صحيح ولا معارضة بينة, لأن النسخ يتضمن رفع حكم واثبات حكم تقرر في عهده صلى الله عليه وسلم، والمعتمد فيه النقل والتاريخ دون الرأي والاجتهاد١.

وقد صرح المحققون من العلماء بأن كثيرا مما ظنه المفسرون نسخا ليس به " وإنما هو نسء وتأخير، أو مجمل أخر بيانه لوقت الحاجة، أو خطاب قد حال بينه وبين أوله خطاب غيره، أو مخصوص من عمومه، أو حكم عام لخاص أو لمداخلة معنى في معنى. وأنواع الخطاب كثيرة، فنظنوا ذلك نسخا وليس به، وإنما هو الكتاب المهيمن على غيره، وهو نفسه متعاضد، وقد تولى الله حفظه فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ٢.

وحين قسم المتزيدون في النسخ سور القرآن أقساما بحسب ما دخله النسخ وما لم يدخله عدوا ثلاث وأربعين سورة فقط ليس فيها ناسخ ولا منسوخ، وست سور فيها ناسخ وليس فيها منسوخ، وأربعين سورة فيها منسوخ وليس فيها ناسخ، وإحدى وثلاثين سورة اجتمع فيها الناسخ والمنسوخ٣. ولا يعنينا قط أن نسرد أسماء السور في هذه الأقسام فإن سردها نفسه قائم على أساس فاسد من الغلو والتعسف، وحسبك أن السور المحكمات الخاليات من النسخ لم تزد -في هذا التقسيم- على ثلاث وأربعين، كأن القاعدة هي النسخ لا الإحكام، وكأن الأصل في سور القرآن أن يكون فيها ناسخ أو منسوخ!

والحق أن الأصل في آيات القرآن كلها الإحكام لا النسخ، إلا أن يقوم دليل صريح على النسخ فلا مفر من الأخذ به، وما زال العلماء المحققون بالآيات التي قيل إنها منسوخة يبحثونها من وجوهها المختلفة حتى حصروا ما يصلح منها


١ هذا رأي ابن الحصار، وقد عرضه السيوطي في الإتقان ٢/ ٤٠.
٢ سورة الحجر ٩. وقارن بالبرهان ٢/ ٤٤.
٣ انظر هذه الأقسام في الناسخ والمنسوخ "لابن سلامة" ص١٤ وما بعدها، وقارن بالبرهان ٢/ ٣٣.

<<  <   >  >>