بالمأثور"، وهو امتداد للتفاسير السابقة المسندة إلى الصحابة والتابعين وتابعيهم، وكان ما يسمى "بالتفسير بالرأي" وفيه تعددت المناهج وتضاربت الأفكار فحمد بعضه وذم بعضه، تبعا لقربه من هداية القرآن أو بعده عنها.
أ- وأجل التفاسير بالمأثور هو تفسير ابن جرير الطبري، ويسمى كتابه "جامع البيان، في تفسير القرآن" ومن خصائصه أنه عرض فيه لأقوال الصحابة والتابعين مع تحرير أسانيدها، وترجيح بعضها على بعض، واستنباط الكثير من الأحكام وذكر بعض وجوه الإعراب التي تزيد المعنى وضوحا. غير أنه -اعمادا منه على معرفة الناس حال الأسانيد- كان أحيانا يغفل بعضها، ويذكر منها غير الصحيح دون أن ينبه عليه.
ويقرب من تفسير الطبري, وربما يفوقه في بعض الأمور, تفسير ابن كثير "عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي المتوفى سنة ٧٤٤"، ومن مزاياه الدقة في الإسناد، وبساطة العبارة، والوضوح في الفكرة. وتبعا لهذا المنهج ألف السيوطي "ت٩١١" كتابه القيم "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" وقد اعتمد فيه -كما يفهم عن عنوانه- على الأخبار الصحيحة المأثورة التي تجعله أقرب إلى الفكرة الإسلامية منه إلى الشروح الإنسانية.
لكن التفسير بالمأثور معرض غالبا للنقد الشديد، لأن الصحيح من الروايات قد اختلط بغير الصحيح, ولزنادقة اليهود والفرس نشاط لا يجهله أحد في الدس على الإسلام وتشويه تعاليمه، ولأصحاب المذاهب والشيع ولوع غريب بجمع معاني القرآن وتنزيلها وفق هواهم، فكان على المفسر بالمأثور أن يدقق في تعبيره، ويحترس في روايته، ويحتاط كثيرا في ذكر الأسانيد.
ب- أما التفسير بالرأي فقد اختلف العلماء حوله، فمن محرم له، ومن مجوز، لكن اختلافهم يؤول في الحقيقة إلى أن المحرم منه هو الجزم بأن مراد الله كذا من غير برهان، أو محاولة تفسير الكتاب الكريم مع جهل المفسر