إلى مقالات جديدة في عناصر الجمال الفني في القرآن, فللسيد رشيد رضا صاحب المنار لمحات موفقة في فهم القرآن، ومثل ذلك لأستاذه الشيخ محمد عبده، والسيد رشيد يذكرها له في تفسيره، ولمصطفى صادق الرافعي كلمات رائعة في هذا المجال في الجزء الثاني من كتابه "تاريخ آداب العرب" وقد خصه بالقرآن والبلاغة النبوية"، ولسيد قطب بعد هذا كله في كتابه "التصوير الفني في القرآن" تخريجات ذكية، واستنباطات سديدة، وأفكار ناضجة، في استلهام الجمال القرآني بأسلوب مشرق جذاب.
ولقد عني مصطفى صادق الرافعي عناية خاصة بالنظم الموسيقي في القرآن، فرأى: "أنه مما لا يتعلق به أحد، ولا يتفق على ذلك الوجه الذي هو فيه إلا فيه، لترتيب حروفه باعتبار من أصواتها ومخارجها, ومناسبة بعض ذلك لبعضه، مناسبة طبيعية في الهمس والجهر، والشدة والرخاوة، والتفخيم والترقيق, والتفشي والتكرير"١.
ولا بد لنا من ذكر بعض الأمثلة التي سردها، ليزداد رأيه وضوحا قال: "ولو تدبرت ألفاظ القرآن في نظمها، لرأيت حركتها الصرفية واللغوية تجري في الوضع والتركيب مجرى الحروف أنفسها فيما هي له من أمر الفصاحة, فيهيئ بعضها لبعض، ويساند بعضها بعضا، ولن تجدها إلا مؤتلفة مع أصوات الحروف, ومساوقة لها في النظم الموسيقي، حتى إن الحركة ربما كانت ثقيلة في نفسها لسبب من أسباب الثقل أيها كان، فلا تعذب ولا تساغ، وربما كانت أوكس النصيبين في حظ الكلام من الحرف والحركة، فإذا هي استعملت في القرآن رأيت لها شأنا عجيبا، ورأيت أصوات الأحرف والحركات التي قبلها قد امتهدت لها طريقا في اللسان, واكتنفتها بضروب من النغم الموسيقي، حتى إذا خرجت فيه كانت أعذب شيء وأرقه، وجاءت متمكنة في موضعها، وكانت لهذا الموضع أولى الحركات بالخفة والروعة.