للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقيل: وفجرنا عيون الأرض، أو العيون في الأرض، ولم يفد ذلك، ولم يدل عليه، ولكان المفهوم منه أن الماء قد كان فار من عيون متفرقة في الأرض, وتبجس من أماكن فيها١.

وآثرنا أن ننقل هذا النص برمته -على طوله- لكيلا نذهب بتصرفنا فيه جمال فكرته، ولقد بدا لنا عبد القاهر -بعبارته الفياضة هذه- مشغوفا بالتصوير القرآني، ناعما بأخيلته البارعة، مدركا تناسقه الجمالي الأخاذ، وإن كان هنا كسواه من بلغاء عصره واقفا عند لمحة من لمحات القرآن الجزئية، غير مستوف خصائص العامة، ولا طريقته الموحدة في التعبير المتحرك النابض بالحياة.

ثم يأتي بعد الواسطي الرماني٢ "ت٣٨٤" بكتابه في "الإعجاز"، ولم يصدر فيه عن رأي مبتكر، ولا استشفاف أدق لأسلوب القرآن، ثم يضع القاضي أبو بكر الباقلاني "ت٤٠٣" كتابه المشهور "إعجاز القرآن" الذي جمع فيه كثيرا من المباحث البلاغية القرآنية ولكنه -على سعته وشموله- لا يصور إلا الفكرة السائدة عن الإعجاز في عصره، ممزوجة بالمسائل الكلامية الكثيرة التي تفقد الكتاب سماته في استقصاء الجمال الفني في القرآن.

نخلص من هذا كله إلى أن الباحثين القدامى في البلاغة القرآنية قد شغلوا أنفسهم بمسائل كثيرة هي أبعد ما تكون عن الجو الفني المحض، فلم يتح لهم شغفهم بالتبويب والتقسيم فرصة لإدراك الخصائص العامة المشتركة التي يصدر عنها كتاب الله في تصويره وتعبيره، فيهز النفوس, ويحرك المشاعر، ويفيض الدموع.

على أن النهضة الأدبية العربية في القرن الأخير قد وجهت أنظار الباحثين


١ دلائل الإعجاز ص٧٩-٨٠ وانظر تلخيص البيان للشريف الرضي ص٢٢٠.
٢ وقد طبعت رسالته "النكت في إعجاز القرآن" في دار المعارف بالقاهرة مع كتاب "بيان إعجاز القرآن" للخطابي، ورسالة عبد القاهر الجرجاني المسماة "بالرسالة الشافية" بتحقيق الدكتور محمد خلف الله والأستاذ محمد زغلول سلام.

<<  <   >  >>