للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاتصال والملابسة كقولهم: طاب زيد نفسا، وقر عمرو عينا، وتصبب عرقا، وكرم أصلا، وحسن وجها، وأشباه ذلك مما تجد الفعل فيه منقولا عن الشيء إلى ما ذلك الشيء من سببه، وذلك أنا نعلم أن " اشتعل" للشيب في المعنى، وإن كان هو للرأس فقط كما أن طاب للنفس، كان لأن سلك فيه هذا المسلك، وتوخي به هذا المذهب, أن تدع هذا الطريق فيه وتأخذ اللفظ فتسنده إلى الشيب صريحا، فتقول: اشتعل الرأس، والشيب في الرأس، ثم تنظر هل تجد ذلك الحسن, وتلك الفخامة؟ وهل ترى الروعة التي كنت تراها؟ فإن قلت: فما السبب في أن كان "اشتعل" إذا استعير للشيب على هذا الوجه كان له الفضل، ولم بان بالمزية من الوجه الآخر هذه البينونة؟ فإن السبب أنه يفيد مع لمعان الشيب في الرأس الذي هو أصل المعنى الشمول، وأنه قد شاع فيه وأخذه من نواحيه، وأنه قد استقر به، وعم جملته، حتى لم يبق من السواد شيء، أو لم يبق منه إلا ما لا يعتد به. وهذا ما لا يكون إذا قيل: اشتعل شيب الرأس, أو الشيب في الرأس، بل لا يوجب اللفظ حينئذ أكثر من ظهوره فيه على الجملة, ووزان ذلك أن تقول: اشتعل البيت نارا، فيكون المعنى أن النار قد وقعت فيه وقوع الشمول، وأنها قد استولت عليه وأخذت في طرفيه ووسطه، وتقول: اشتعلت النار في البيت، فلا يفيد ذلك، بل لا يقتضي أكثر من وقوعها فيه وإصابتها جانبًا منه, فأما الشمول وأن تكون قد استولت على البيت وابتزته فلا يعقل من اللفظ البتة، ونظير هذا في التنزيل قوله عز وجل: {فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} ١ التفجير للعيون في المعنى، وواقع على الأرض في اللفظ كما أسند هناك الاشتعال على الرأس، وقد حصل بذلك من معنى الشمول ههنا مثل الذي حصل هناك، وذلك أنه قد أفاد أن الأرض قد كانت صارت عيونا كلها، وأن الماء كان يفور من كل مكان فيها، ولو أجري اللفظ على ظاهره


سورة القمر ١٢.

<<  <   >  >>