للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عددها، لأننا لا نملك مستندا صحيحا يؤكد وجودها في زمن ما١.

وجدير بالذكر أن هذه المصاحف لم تصل إلينا، وإنما وردتنا نصوص عن ترتيب السور فيها وبعض أوجه قراءاتها، وما تبرح في كثير من جوانبها بحاجة إلى الفحص والتدقيق٢.ولكن قرار عثمان بإحراقها٣ كان حكيما بلا ريب لأن بقاءها كان لا بد أن يزيد في أسباب الشقاق، ولا سيما وقد بعد عهد الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد وقع عمل عثمان من قلوب الناس موقع القبول والاستحسان٤ إلا عبد الله بن مسعود الذي كان له -كما رأينا- مصحف خاص به، فإنه عارض في ذلك في بادئ الأمر، وأبى أن يحرق مصحفه٥ ثم ألهمه الله أن يرجع


١ من ذلك ما ينسبه ابن أبي داود في "كتاب المصاحف ص٥٠ وما بعدها" إلى عمر بن الخطاب من القيام بجمع مصحف خاص به. ويحلو للمستشرق شفالي أن يذكر ذلك في دراسته القرآنية:
انظر "Schwally, Die Sammlung des Qorans, ll, ٢٧"
ولكن المستشرق بلاشير كان أبعد نظرا وأوسع أفقا حين أدرك أن روايات ابن أبي داود في هذا الصدد لا تؤكد نسبة مصحف خاص إلى عمر، وإنما تشير إلى بعض أوجه القراءات الخاصة التي آثر عمر أن يقرأ القرآن عليها. انظر:
"Blachere. Introducion au coran, ٣٥".
وراجع في الصحفة نفسها الحاشية ٣٧ "not ٣٧".
٢ وهنا لا يرى بلاشير بدا من الاعتراف بضرورة الاستناد إلى النصوص الصحيحة إذا أردنا أن نعرف شيئا عن تلك المصاحف.
انظر: Balchere, Intr., cor, p.٣٧
٣ نطق حديث البخاري -كما رأينا- بإحراقها. ولكن ابن أبي داود يأبى إلا أن يذكر عددا من الروايات المتضاربة في هذا الموضوع، فيتردد بني إحراق الصحف وتمزيقها وقذفها في الماء "انظر كتاب المصاحف ص١٣، ١٦، ٢٠".
ونحن بلا ريب إنما نأخذ برواية البخاري الصحيحة، فا داعي للتردد، فلقد أحرقت تلك المصاحف، وكفى الله المؤمنين شر بقائها.
٤ كتاب المصاحف لابن أبي داود ص١٢.
٥ ويضعون في فيه رضي الله عنه عبارات يعرض فيها يزيد بن ثابت الذي كان في صلب أبيه حين اعتنق ابن مسعود الإسلام "ابن أبي داود ص١٧" أو كان يلعب مع الصبية حين كان ابن مسعود يحفظ بضعا وسبعين سورة أخذها كلها من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم "انظر طبقات ابن سعد ج٢ القسم الثاني ص١٠٥ وكتاب المصاحف لابن أبي داود ص١٥".
ولكننا نستبعد صدور هذه الأقوال عن ابن مسعود، وإن صدرت فهي لا تدل إلا على الانفعال الذي اعتراه حين نحي عن لجنة جمع القرآن ونسخه، ومع ذلك فإن أبي داود نفسه هو الذي ذكر عنه رجوعه إلى رأي عثمان "كتاب المصاحف ص١٢" فلماذ يتعلق بلاشير بالرواية الأولى ويتجاهل الآخيرة؟ انظر "Blachere; Intr. cor., ٣٧"

<<  <   >  >>