للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خلال رحلاته الكثيرة١ غير أن كازانوفا- بعد إيراده تلك المعلومات الدقيقة المفيدة- لا يلبث أن يصرح بارتيابه بقيمتها التاريخية، وإذا هو يأتي بأغرب رأي وأجرئه في عالم الدراسات القرآنية، فما جمع عثمان للمصحف -في نظره- إلا قصة وهمية أحكم نسجها في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان توطئة للمبالغة في شأن التحسينات التي أدخلت على رسم المصاحف في عهد الخليفة المذكور٢.

وأعجب من هذا كله أن كازانوافا لا يتورع عن المجازفة بإلقاء حكم صبياني لا يوافقه عليه عاقل بين الناس، حتى ولا إخوانه المستشرقون٣، فيجعل الحجاج بن يوسف الثقفي أول جامع للقرآن٤، وقد صرح بلاشير بعقم هذا الرأي وفساده فقال: "لا يمكننا قط أن نتابع كازانوافا على هذا الزعم الجريء الذي تنقصه النصوص الثابتة"٥.

هذا، ومن المعروف أن ابن كثير٦ -وهو من علماء القرن الثامن الهجري- قد رأى مصحف الشام، فهو يقوب في كتابه "فضائل القرآن": "أما المصاحف العثمانية الأئمة فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق عند الركن شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله, وقد كان قديما بمدينة طبرية ثم نقل منها إلى دمشق في حدود سنة ٥١٨هـ، وقد رأيته كتابا عزيزا جليلا عظيما ضخما بخط حسن مبين قوي، بجبر محكم، في رق أظنه من جلود الإبل"٧.

ويبدو كذلك أن ابن الجزري صاحب "النشر في القراءات العشر" وابن فضل


١ Casanova, op,cit.,١٣٠-١٣٩.
٢ Casanova, op,cit.,١٤١
٣ انظر على سبيل المثال "Blachere, Intr, cor.,p.٩٢"
٤ Casanova, op, cit. P,١٢٧
٥ وانظر بقية استدلاله على خطأ هذا الرأي في "Blachere, Intr, cor. p.٦٨"
٦ ابن كثير هو إسماعيل بن عمر بن كثير، عماد الدين أبو الفداء، حافظ مؤرخ فقيه، له تفسير القرآن، والبداية والنهاية في التاريخ، وكثير من المؤلفات القيمة، توفي سنة ٧٧٤هـ "الأعلام ١/ ١٠٩" وسيرد ذكره في مبحث "التفسير".
٧ فضائل القرآن ص ٤٩ط. المنار سنة ١٣٤٨.

<<  <   >  >>