يا عمروُ من نشرَ العلا بنوالِهِ ... كَرَماً يُقالُ له الجواد السيدُ
يا عمرُو أنتَ لكَ المهابةُ والعُلا ... في النَّاسِ والمُلكُ اللقاحُ الأتلدُ
واصِلْ ذوي القُربى وحُطهُم إنَّهمْ ... بِهِمُ تَغَمُّ الأبعدينَ وتصمدُ
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال أن عمراً ذا الأذعار بن أبرهة ذي المنار بن الرائش بن قيس بن صيفي بن سبأ الأصغر خرج يطوف للإعمال من شرق البلاد وغربها، فكان لا يسمع به قوم إلا وولوا الأدبار رهبة منه خائفين مذعورين، فلذلك سمي عمراً ذا الأذعار وهو أبو التُبَّع الأول.
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن عمراً ذا الأذعار وصى ابنيه تبعاً ورفيدة فقال لهما: غيركما يجهل الملك وسياسته ورعايته وكلاءته وما يحتاج إليه الملك من التيقظ والتدبير والحزم والحلم والموالجة والمحاماة والمناوأة، وما الملك إلا رحى تدور على قطب، فإن جعل لها مع ذلك القطب قطب آخر وقفت الرحى منها. وهذا لتعلما أن الملك لا يستوي لاثنين إلا أن يكون أحدهما المقتدي والآخر المقتدى به. وقد علمتما أن التاج لا يسع الرأسين، ولا يجمع الرأسان في تاج أبداً، كما لا يصلح السيفان في غمد.
ثم أنشأ يقول شعراً يأمر فيه ابنه رفيدة بطاعة أخيه تبع بن عمرو ذي الأذعار وهو التبع الأول:
رُفيدةُ لا تعصِ أباكَ فإنَّهُ ... رأى رأيهُ أن يُعطي المُلكَ تُبَّعَا
ليُعطيكَ الخيلَ المُغيرةَ تُبَّعٌ ... فترعى لهُ المُلكَ اللَّقاحَ المُمنَّعا
ينالُ بكَ العليَا وأنتَ كمِثلِهِ ... تنالُ به طوداً من العِزِّ ميفعا
وتصبحُ ركناً دُونهُ ووزيرَهُ ... منيعاً ويُمسي مؤئلاً لكَ مفزعا
فما عَزَمَ ابنا سيِّدٍ وتعاضدا ... على سَبَبٍ رأياً هُما فيهِ أجمعا
وقاما لهُ إلا ونالاهُ جهرةً ... وفازا بِهِ منْ دونِ من ذاقهُ معا
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال إن تبع بن عمرو ذي الأذعار ولي الملك بعد أبيه، وقلد أخاه رفيدة بن عمرو الوزارة، فكان إلى التبع ما يكون إلى الملك، وكان إلى رفيدة ما يكون إلى الوزير، فبقيا في ذلك دهراً طويلاً على وصيته أبيهما عمرو ذي الأذعار، وسار الملك تبع في الناس سيرة أبيه ذي الأذعار، وبسط العدل والإحسان في الأرض، ورزق من الهيبة، وأعطي من الطاعة ما لم يعط أحد قبله. وهو الذي يقول فيه الموثبان بن ذي حارث: " من السريع "
مَنْ ذا الذي يسألُ عن تُبَّعٍ ... كأنَّهُ لم يدْرِ ما تُبَّعُ
وتُبَّعٌ في الأرضِ سُلطَانُهُ ... كالشَّمسِ في آفاقها تسطعُ
المَلِكُ المحمُودُ في مُلكِهِ ... والماجِدُ المُهرُ الذي يَمرَعُ
قد ملكَ النَّاس فأحياهُمُ ... ناهيكَ من تُبَّعٍ مُستمتعُ
ذُو الغارةِ السَّوداءِ تجري لهُ ... أوارد العُصْم فلا تُمنعُ
وَخَيلُهُ مُرسلَةٌ في العدا ... زُهواً رِعالاً تمرَعُ
إتاوةُ الأرضِ وَمَنْ حلَّها ... طوعاً إلى تُبَّعٍ تُدفعُ
ما رَفَعَ التُبَّعُ لم يُوهِهِ ... مُوهٍ وما أوهاهُ لا يُرفَعُ
[وصية تبع بن عمرو]
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن التبع بن عمرو ذي الأذعار وصى ابنه حسان ملك يكرب، وهو الثاني من التبابعة، فقال له: يا بني، إن الملك صنعة والملك صانع، فإن قام الصانع حق قيامه على صنعته استجادها الناس له، واستحكم أمره فيها فكسب بها المال والجاه وكانت له عدة وذخيرة. وإن استهان بها ولم يقم حق قيامه عليها ذهبت الصنعة عن يده، وانقطعت منافعها عنه، واكتسب الذم لنفسه والحرمان، وكل نفس لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت.
وأنشأ يقول: " من البسيط "
ما زِلتُ بعدَ أبي بالمُلكِ مُنفرِداً ... أسُوسُهُ بعد أسلافي وأجداديْ
أَحميْ محاسِنَهُ جهدي وأكلؤُهُ ... دَهرِيْ وأحكمهُ بعديْ لأولاديْ
وقدْ ضربتُ لكَ الأمثالَ فِيهِ وقدْ ... عَرفَتَ في المُلكِ إصداريْ وإيراديْ
فاعمَلْ بما لم أَزَلْ مُذْ كُنتُ أَعمَلُهُ ... في المُلكِ يرشِدكَ يا حَسَّانُ إرشاديْ