أتى يومُ الهَميسَعِ فاحتواهُ ... وزَيدٌ يومُهُ لا بُدَّ آتِ
وَكُلٌّ لا محالَةَ مُستقِلٌّ ... يؤُولُ مِنَ الحياةِ إلى المماتِ
وَكُلُّ جماعةٍ لا بُدَّ يوماً ... تصِيرُ إلى التَّفرُّقِ والشَّتاتِ
فمالِكُ سِرْ لأيمن في مسيري ... لوالِدِهِ إذا حانَتْ وفاتِي
أَطِعْهُ يُطِعكَ أيمنُ مِثلَ ما قَد ... أطاعِنيَ الهميسعُ في هَنَاتِ
هُوَ المَلِكُ العظِيمُ وأَنتَ فاعلَمْ ... على أعمالِهِ وعلى الوُلاةِ
إليكَ إتاوةُ الأطرافِ تُجبَى ... وتأمُرُ في الجُيُوشِ المُعلَمَاتِ
فيقال: إن مالك بن زيد بن كهلان حفظ وصية أبيه، وثبت عليها، وعمل بها، وولي بعد أبيه ما كان يتولاه أبوه زيد بن كهلان من الثغور والأطراف وتدبير العساكر في طاعة الملك أيمن بن الهميسع. وكتب إلى عمال أبيه، فأجابوه بالسمع والطاعة ودفع الإتاوة إلى ما قبله.
[وصية زيد بن كهلان]
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن مالك بن زيد بن كهلان جرد ابنه ربيعة بن مالك - وهو جد همدان - في الخيل والرجال والعدد، وعقد له الولاية على من معه، وكتب له كتاباً إلى ساكن الأجواف أهل سهولها وجبالها، وهم بقية عاد الصغرى التي تعرف إلى اليوم قبورهم وآثارهم في الجبال والسهول بها. وكان كتابه لربيعة بن مالك: باسمك اللهم،
إلى ساكِنِ الأجوافِ من أيمَن العُلا ... ومِنْ مالك القيلِ بن زيدِ بنِ كهلانِ
رَبيعةُ لا يُعصَى لديِهم ويُتَّقى ... ربيعةُ ما غالى بِهِ الملوانِ
وَيُجبَى إليهِ الخرجُ عِندَ وُجُوبِهِ ... على طاعةٍ تُرضِيهِ مِنهُمْ وإذعانِ
وإلاَّ فلا يلحونَ إلاَّ نُفُوسَهُمْ ... إذا داسَتهُمُ رجلي هُناكَ وفُرساني
قال: فلما فرغ من تجهيز ولده الربيعة بن مالك جرد ابنه أدد بن مالك إلى الأعراض والأسواد من نجران وتثليث والشَّروم وبيشة والحنو وما حولها من البلاد المسكونة في الخيل والعدد. وكتب له إلى ساكنها، وهم بقايا إرم بن حام بن نوح النبي صلى الله عليه وسلم، آثارهم بها إلى اليوم، وقبورهم تعرف بالإرميات، وذلك أنها مبنية على هيئة الآكام والقنان. وكان كتابه الذي كتب لأدد إليهم حيث يقول: " من الرمل "
باسمِكَ اللهُمَّ مِنْ أيمنَها بنِ ... مالكِ الخيلِ إلى الحَيِّ إرمْ
لِسَاكنِ الأسوادِ والأعراضِ منْ ... بطنِ نجرانٍ إلى ما حَيثُ هُمْ
أن يُطيعُوا أُدداً بينهُم ... ما نهارٌ لاحَ أو ليلٌ هَجَمْ
ويُوفُّوا أُدداً مسألةً ... من ثِمارِ النَّخل والخُور النَّعمْ
أو فلا يلحَونَ يوماً غيرهُم ... إنْ علاهُم قَسطلانٌ مُدْلَهِمْ
قال: فسار أدد بن مالك بن زيد بن كهلان حتى نزل فيما بينهم والياً عليهم، فسمعوا له وأطاعوا، ودفعوا إليه إتاوتهم، وهو أبو مذحج.
ثم إن مالك بن زيد بن كهلان توفي، وولي ابنه نبت بن مالك ما كان يتولاه أبوه مالك بن زيد بن كهلان في طاعة الملك أيمن بن الهميسع بن حمير.
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن أيمن بن الهميسع رثى مالكاً بهذه الأبيات، وأنشأ يقول:
تولَّيتَ عَنَّي مالِك غَيرَ قافلِ ... وإنِّي غَدَاً لا شَكَّ نحوكَ قافِلُ
أواخِرُنَا لا شكَّ أنَّ مصيرَهُمْ ... مصيرٌ إليهِ صَارَ مِنَّا الأوائلُ
كَذلكُمُ تِلكَ النُّجُومُ إذا بدتْ ... طَوالِعُهُنَّ التَّاليات الأوافلُ
فَلَو كانَ يجدي اليومَ شيئاً بُكاؤُنا ... لما رقأتْ مِنَّا الدُّمُوعُ الهواملُ
سيَخلُفُكَ المأمُولُ نبتٌ وإنَّه ... لما قد كُنتَ تَحمِلُ حاملُ
شمائِلُهُ الحُسنى شَمَائلُكِ الَّتِي ... إذا ذُكِرتْ لم تعلُهُنَّ شمائِلُ
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن نبت بن مالك جرد ابنه ثور بن نبت - وهو أبو كندة - إلى الأحقاف بالخيل والرجال، وعقد له الولاية على من بالأحقاف من سائر ولد هود النبي صلى الله عليه وسلم وعشيرته، وأمرهم بالسمع والطاعة له، وكتب إليهم كتاباً يقول فيه:
إلى ساكِنِ الأحقافِ من أيمنِ العُلا ... لِثورِ بن نبتٍ عن أَبيهِ ابنِ مالِكِ