على أنَّ زَيْداً لَيسَ يُعصَى وَينتَهيْ ... إلى أمرِ زيدٍ كُلُّ بادٍ وحاضِرِ
ويُعطُونَهُ الخَرجَ الذي يُسألُونَهُ ... وفاءً ولا يلقونَهُ بالمَعَاذِرِ
وإلاَّ فلا يَلحونَ إلاَّ نُفُوسَهُمْ ... إذا ما مُنُوا بالسَّابحاتِ الضَّوامِرِ
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن زيداً لما خرج بأحياء قضاعة إلى الشام والياً عليها، وصار إلى الحجاز وقع بينه وبين عشيرته كلام وحماشات ومحاسد فتفرقوا عنه، فمنهم من رجع إلى اليمن، ونسله إلى اليوم بها، وهم خولان بن عمرو بن الحاف بن جلوان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة. ومنهم من نزل بالحجاز ونسله إلى اليوم بها، وهم بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة. وأما نسل زيد بالحجاز فجهينة بن زيد، وحميس بن زيد، وعذرة بن زيد. وأما من مضى من قضاعة إلى الشام فنسله إلى اليوم بها وهم عاملة بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن قضاعة وإخوتهم بنو وبرة. وأكثر وبرة بالشام عدداً وأشدهم بأساً وعضداً ونجدة وعزاً بنو كلب بن وبرة. منهم حباب، ومنهم العمائر، ومنهم عدي وعليم وأوس الله ويتم الله وسعد الله ويسع الله ووهب الله وزيد الله. فهؤلاء بنو رفيدة بن ثور بن كلب. ومنهم تنوخ، ومنهم العاص، ومنهم كنانة الكبرى. فهؤلاء حماة الشام ومدائنها. وأنشد أحدهم شعراً يقول فيه:
نحنُ اللِّيُوثُ إذا حَمَسنَا في الوغَى ... والحلمُ شِيمَتُنا إذا لم نَحمسِ
نحنُ الصُّخُورُ فمَنْ يُحاولُ عضَّها ... تَفلُلْ نواجِذهُ الصُّخُورُ ويضَرَسِ
نحنُ البُحُورُ فمَنْ يَخُضْ أمواجَهَا ... تعطِفْ عليهِ بِيمِّها المعلنطسِ
عَلِمَ القبائِلُ من نِزارٍ كُلِّها ... ما ضَربُنَا وطِعانُنَا بِتلَّمسِ
أعداؤُنا لم يَسلمُوا وحرِيمُنَا ... لم يُستَبَحْ وتُراثُنَا لم يُغْمَسِ
فأبا عُثَيمٍ إننَّي لكَ ناصِحٌ ... فأَجِلَّنَا وبِغيرِنَا فتمرّسِ
واجعلْ هِجاءَكَ في لئامِ مُحاربٍ ... أو في بنِي عَجلانَ أو في فَقعسِ
أتَحُوطُ مِنَّا هَاشِماً لتُجِيرَها ... هذا لعَمَرُك أنكسُ المتنكسِ
وقُضاعةُ الرَّأسُ الرئيسُ وأنتُمُ ... ذنبٌ لعَمر أبِيكَ غَيرُ مرأسِ
وهُمُ الجِبالُ الرَّاسياتُ وأنتُمُ ... بيضٌ متى يُقرَعْ بِهِ يتنفسِ
ويقال: إن ماء السماء بن حارثة بن امرئ القيس عمر ثلاثمئة سنة ونيفاً وستين سنة، وولي الأطراف والثغور لأربعة من ملوك حمير، للفظاظ بن عمرو، وليشدد بن الفظاظ، ولأبرهة بن يشدد، ولإفريقيس بن أبرهة.
[وصية ماء السماء]
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن ماء السماء وصّى ابنه المزيقياء بن ماء السماء، وهو عمرو بن عامر فقال:
يا عَمرُو إنِّي قد كَبِرتُ ورابني ... عيشاً لهُ في النَّاقلين دبيبُ
أبليتُ عُمرِي في ثلاثِ عمائِمٍ ... مَنشُورةٍ ألوانُهُنَّ ضَرُوبُ
يققٌ وسحقٌ كالبسيلِ وحالِكٌ ... مثلُ الدُّجُنَّةِ حِندِسٌ غربيبُ
مَرَّتْ بي المِئتانِ والمِئةُ الَّتِي ... جَلّى عليها عُمرِيْ المَحسُوبُ
يا عمرُو أنتَ خليفتي فاعملْ بِما ... قد كُنتُ أعملُ فالرَّشِيدُ قرِيبُ
أطِع المُلُوكَ ولا تَزِغْ عن أمرِهِمْ ... ما اخضرَّ في فَنَنِ الأراكِ قضِيبُ
وإذا دعوكَ أجِبهُمُ واسمع لهُمْ ... كي يَسمعُوا لكَ داعِياً ويُجيبُوا
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن المزيقياء بن ماء السماء حفظ وصية أبيه، وثبت عليها، وعمل بها، وولي بعد أبيه ما كان يتولاه ماء السماء للملوك من قبله من أعمال الأطراف والثغور، فكتب إلى العمال في كل بلد، فسمعوا له، وأطاعوا، ورفعوا إليه الإتاوات التي كانوا يرفعونها إلى أبيه.