وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن ذا جوال واسمه عامر بن حرب بن ذي مقار أقبل على إخوته وولده، فقال لهم: ما كل موصٍ يبلغ فيما يوصي. ولا كل موميء يصيب فيما يوميء. للبلاغة دليل، وللإصابة مواقع والحكم لا يعدو المهيع ولا يضل النهج السوي. أطيعوا الأرشد منكم تعزوا، ولا تعصوا أمره فتذلوا، واجتمعوا تهابوا وترجوا، ولا تتفرقوا فتعادوا وتجووا. وأنصفوا الناس واعدلوا فيما يفضى إليكم من أمورهم تحمدوا وأحسنوا أخلاقكم معهم تسودوا، فالشرف مع الحمد حيث كان، والعفو في الإنصاف حيث استبان، والطاعة مع السؤدد.
ثم أنشأ يقول:
متى ما اجتمعتُمْ نِلتُمُ العزَّ كُلَّهُ ... وأُعطِيتُمُ المُلكَ اللقاح المؤثلا
وأضحَى مُواليكُم عزِيزاً مُؤيداً ... وأمسى مُعادِيكُم مُهاناً مُذلَّلاً
وصارَ لكُمْ أمرُ الأنامِ ونهيهُمْ ... وصِرتُمْ لهُمْ رُكناً وكهفاً وموئلا
بكُمْ يهتدي من يطلُبُ القَصدَ مِنهُمُ ... ويسطو بِكُمْ منهُمُ على من تطوَّلا
وما يستوي السَّيفانِ ماضٍ يهُزُّهُ ... شجاعٌ ومُلقى صار جُنحاً مُفَلَّلا
وما القاهِرُ المخصُوصُ بالنَّصرِ كالذي ... يَضِلُّ ويُمسيْ خائِفاً مُتوجِّلا
وما مَنْ يُنادي قَومَهُ فَتُجِيبهُ ... ثمانونَ ألفاً جحفلاً ثم جحفلا
كَمَن لو تنادى آخِرَ الدَّهرِ لم يَجِدْ ... لهُ ناصراً إلا غوِيَّاً مُذلَّلا
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي أن ذا مناخ دعا إخوته وقومه من بني عبد شمس فقال لهم: لا يسود المرء إلا بكرمه ولا ينال منتهى العز إلا بقومه، ولا يرزق محبته الناس إلا بإحسانه، ولا ينال الملك إلا ببذله المال للخاصة والكافة من نصرته ورجاله، ولا يدوم له الملك إلا بعدله فيهم وإنصافه لهم، ثم أنشأ يقول: " من البسيط "
ما سادَ فيمنْ مضى من قبِلنا أحدٌ ... إلا المُشَهَّرُ والمعروفُ بالكرمِ
ولا حوى المُلكَ مأمولٌ ومُرتغِبٌ ... إلا بمعشرِةِ العالين في الفخم
ومحسنُ القومِ لم يعدِمْ مودَّتهُمْ ... ومنْ ودادهمُ المذمومُ في العدمِ
ولا ينالُ امرؤٌ مُلكَ الملوكِ إذا ... لم يبذُلِ المالَ للأشياعِ والخدمِ
ولا يدومُ لهُ مُلكٌ ولا شرفٌ ... إلا بإنصافِهِ والعدلِ في الأُممِ
[وصية يزيد بن هاشم]
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن ذا الكلاع واسمه يزيد بن هاشم أقبل على بني عمه وإخوته وولده فقال لهم: معشر الجماعة من ولدي وإخوتي وبني عمي، لو كان الملك يدوم لأحد لدام لأسلافكم الذين ملكوا البلاد، فأحسنوا السيرة في أهلها وأخذوا للضعيف من القوي وأمنوا السبل وأذلوا الجبابرة، وأبادوا المفسدين، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وعمروا الأرض شرقها وغربها، وعندكم مما أنا باثٌّ لكم شارح عليكم من أخبارهم ومآثرهم ومفاخرهم مما تجتزئون به عما بعده. ثم أنشأ يقول: " من المتقارب "
شهدتُ الملوكَ وعاشرتهمْ ... وكنتُ وزيراً لَهُم وابن عمْ
فحازُوا البلادَ ومن حلَّها ... منَ النَّاسِ من عربٍ أو عجمْ
وقد أخذُوا الخَرجَ في شرقها ... وفي غربها من جميعِ الأممْ
ودانتْ لهُم سُوقةُ العالمِين ... وأهلُ العُلا والملوكُ القِدمْ
بنيَّ وإخوتي الأقربين ... ومن بينكُمْ لِيَ من ذي رحمْ
عليكم...... من المجدِ ما اسطعتُمُ والكرمْ
فإنَّ النَّوالَ يُعزُّ الرِّجالَ ... وينزِلُهُم في الذُّرى والقِمَمْ
بهِ فُضِّلَ الأجودونَ الكرامْ ... على كلِّ من حملتهُ القدمْ
بهِ كملَ المالكُ المالكينَ ... من أبناءِ قحطانَ قدماً وتمْ
وصاتي ها، فبها فاعملُوا ... وصونُوا بها المُلُكَ بعدَ النعمْ
وإنَّ يزيداً لكمْ ذا الكلاعِ ... لفي النُّصحِ والوُّدِ لا يُتَّهمْ
ومهما قضى ربُّكُم كائنٌ ... من الأمرِ فيهِ وجفَّ القَلمْ