مُغلغلةً مَرَابعُها ثِقالاً ... إلى صنعاءَ من فجٍّ عميقِ
تؤمُّ بنا ابن ذي يزنٍ وتفري ... ذوات بُطُونِها أُمَّ الطَّريقِ
وترعى في مخايلِه بُرُوقاً ... مُوافقةَ الوميضِ إلى بُروقِ
فلمّا وافقتْ صنعاءَ صارتْ ... بِدان المُلكِ والحسبِ العريقِ
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن ذا أصبح، واسمه الحارث بن زيد بن سعد بن عدي بن ملك بن مسدد بن أسد بن حنظلة بن زرعة، وهو حمير الأصغر بن كعب بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس لما اجتمعت حمير وكهلان أمرها على طاعتها له واتباعها إياه وقبولها منه عند الأمر والنهي والسلم والحرب أقبل على بنيه، فقال لهم: يا بني، إن حمير وكهلان لم تجمع أمرها على طاعتها لي واتباعها إياي وقبولها مني على أني أشرفها منصباً، ولا أني أحق بالملك فيها دون غيري منها، ولكنها وزنت رجالها المعدودة، فألفتني أرجحها عند الأمر والنهي، فقلدتني أمرها، وآثرتني بالملك على غيري منها. ثم أنشأ يقول: " من الرجز "
بنيَّ ما إن جهلتْ حميرٌ ... والحيُّ من كهلانَ ذا أصبحِ
إذ قلَّدوني أمرهُمْ واهتدوا ... في طاعتي بالطائرِ الأفلحِ
حتى اصطبحنا بالخُيُولِ العِدا ... في كُلِّ ما هصت وما أفتح
إنَّا لنا مُلكُ بني يعربٍ ... وزانهُ الإصلاحُ للمُصلِح
أما تروني فانياً شاحباً ... أسمطَ مثلَ الوقع في صردحِ
فقد حلبتُ الدَّهرَ أشطارهُ ... ولم أردُّ الطرفَ عن مطمحِ
بنيَّ سيرُوا سيرتي إنّهَا ... كما علمتُمْ سيرةُ المُفلحِ
واتخذُوا الإحسانَ ما بينكُم ... تجارةَ الرَّابحِ والمربحِ
بُثُّوا عطاياكُمْ وجُودُوا بها ... للأعجمِ الضَّاوي وللمُفصِحِ
بها لكُمْ يُفتحُ بابُ العلا ... إذا العلا بالبأسِ لم يُفتحِ
وصَّيتكُمُ فاغتنِمُوا نُصحَ من ... عساهُ إن أَمسَى فلمْ يُصبِحِ
[وصية كهلان بن سبأ]
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن حمير وكهلان لما قسم بينهما أبوهما سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ملكه، فجعل سياسة الملك لحمير، وجعل أعنة الخيل وملك الأطراف والثغور لكهلان - وقد تقدم شرح خبرهما في أول كتابنا هذا - قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن حمير وكهلان لم يزالا على ذلك، وكذلك أولادهما وأولاد أولادهما، لحمير على كهلان الطاعة، ولكهلان على حمير المال والنجدة، والملوك الراتبة في دار المملكة من حمير، والملوك في الأطراف والثغور من كهلان. ويقال: إن كهلان لما تقلد الأطراف وثغورها وأعمالها واستقام أمره وأمر أخيه حمير على ذلك قال لأخيه حمير: إني قد عزمت على أن أبعث العساكر إلى الأطراف والثغور، فأمر بالمصالح لذلك. قال: فأمر حمير بالمال والخيل والإبل والطعام والروايا وتقدم إلى أهل المملكة أن يمتثلوا ما يومئ إليهم به كهلان. قال: فجرّد كهلان إلى أرض الحجاز جرهماً ومن لف لفها، وولى عليهم رجلاً منهم يقال له هيّ بن بي بن جرهم بن سعد بن جرهم، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا أمره، وقسم عليهم الخيل والعدد والسلاح والزاد والروايا وأعطاهم الأدلاء. وكتب لهيّ بن بي بن جرهم إلى ساكن الحجاز من العمالقة بالسمع والطاعة له ودفع الإتاوة إليه.
وكان كتابه الذي كتب لهي بن بي بن جرهم:
ألائكُ من كهلانَ عن أمرِ حميرٍ ... لعامِلِهِ هيِّ بن بيِّ بنِ جُرهُمِ
إلى مَن بأعراضِ الحجازِ محلُّهُ ... من الناسِ طُرَّاً من فصيح وأعجمِ
على أنَّ هيَّأ ليسَ يُعصى وإنَّهُ ... لديهم لذُو أمنٍ أثيرٍ مقدمِ
وإلاَّ فلا يلحونَ إلا نفوسَهُمْ ... إذا ما مُنُوا بالقسطلانِ العرمرمِ
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن هي بن بي بن جرهم خرج إلى الحجاز فيمن معه من قومه وتباعهم، فأقام بها والياً عليها، وغلب العمالقة عليها، وكتب كتاب ولايته على جبل من جبال مكة، وهي هذه الأبيات:
ألائك من كهلان عن أمر حمير ... لعامله هيِّ بن بيِّ بن جرهم