ولفظُك عرِّبهُ بأحسنِ منطقٍ ... فإنكَ مرهونٌ بما أنت لافظُ
وكُنْ كاتماً للغيظِ في كُلِّ بدوةٍ ... إذا أُسِخطتْ تلك العيونُ الجواحظُ
بغيضٌ على الأعداء سراً وجهرةً ... بحِلمِكَ ها تلك النفوس الغوائظُ
وما سادَ من قد شادَ إلا بحلمهِ ... إذا لم يلاحِظهُ من البخلِ لاحظُ
فكن ذا حِجىً محضَ الشمائلِ ماجداً ... حفيَّاً حمياً إنني لكَ واعظُ
[وصية يعرب بن قحطان]
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن يعرب بن قحطان حفظ وصية أبيه، وثبت عليها، وعمل بها. ويقال: إنه أول من تبحبح بالعربية الواسعة، ونطق بأفصحها، وأوجزها، وأبلغها. والعربية منسوبة إليه مشتقة من اسمه. وهو الذي ذكره حسان بن ثابت الأنصاري في شعره الذي يقول فيه:
تعلمتمُ من منطق الشيخ يعرب ... أبينا فصرتم معربين ذوي نفر
وكنتم قديماً ما لكم غير عجمة ... كلام وكنتم كالبهائم في القفر
تقولون مانونخ ودونخ وكنتم ... إذا ما التقينا كالرصاص على الجمر
منازلكم كوثى ومنها درجتمُ ... إلينا كأفراخ درجن من الوكر
فنحن وأنتم كالذي قال لم أزل ... أعلمه رمياً ليمنع لي ظهري
فلما نشا واشتد ساعده رمى ... فلم يُخطِ ظهري إذ رمى لا ولا نحري
وفي ذلك يقول علقمة ذو جدن:
ومِنّا الذي لم يُعربِ الناسُ مثله ... وأعربَ في نجدٍ هناكَ وغارا
وحدثنا علي بن محمد عن جده الدعبل بن علي، أن يعرب بن قحطان وصَّى بنيه مما وصاه به أبوه، فقال لهم: يا بني احفظوا مني خصالاً عشراً تكون كذا لكم ذكراً وذخراً. يا بني تعلموا العلم واعملوا به. واتركوا الحسد عنكم ولا تلتفتوا إليه، فإنه داعية القطيعة فيما بينكم، وتجنبوا الشر وأهله، فإن الشر لا يجلب عليكم خيراً. وأنصفوا الناس من أنفسكم لينصفوكم من أنفسهم. وإياكم والكبر؛ فإنه يبعد قلوب الرجال عنكم. وعليكم بالتواضع، فإنه يقربكم من الناس ويحببكم إليهم. واصفحوا عن المسيء إليكم، فإن الصفح عن المسيء يجنبكم العداء ويزيد مع السؤدد سؤدداً ومع الفضل فضلاً. وآثروا الجار الدخيل على أنفسكم، فإن جماله جمالكم. ولأن يسوء حال أحدكم خير له من أن يسوء حال جاره، لأن تفقد الناس للمقتدي أكثر من تفقدهم للمقتدى به. وانصروا مواليكم، فإن مواليكم في السلم والحرب منكم ولكم. وابن مولاكم من أنفسكم، وحقه عليكم مثل حق أحدكم على سائركم. وإذا استشاركم مستشير فأشيروا عليه بمثل ما تشيرون به على أنفسكم في مثل ما استشاركم فيه، فإنها أمانة ألقاها في أعناقكم، والأمانة ما قد علمتم. وتمسكوا باصطناع الرجال أجدر أن تسودوا به عليهم، وأحرى أن يزيدكم ذلك شرفاً وفخراً إلى آخر الدهر. ثم أنشأ يقول: " من الوافر "
بنيَّ أبوكمُ لم يعدُ عمَّا ... بهِ وصَّاهُ قحطانُ بن هودِ
فوصاكم بما وصى أباكم ... أبوه عن الإله عن الجدودِ
أذيعوا العلمَ ثمَّ تعلموه ... فما ذو العِلم كالطِفل البليدِ
ولا تُصُغوا إلى حسدٍ فتغوُوا ... غوايةَ كلِّ مختلٍّ حسودِ
وذُودوا الشرَّ عنكُمْ ما استطعتم ... فليسَ الشرُّ من خُلُقِ الرشيدِ
وكونُوا منصفينَ لكلِّ دانٍ ... لينصفكُمْ مع القاصي البعيدِ
وبابُ الكِبرْ عنكمْ فاتركُوهُ ... فإنَّ الكِبرَ من شِيَمِ العنيدِ
عليكمْ بالتواضُع، لا تزيدوا ... على فضلِ التواضُع من مزيدِ
وإنَّ الصَّفح أفضلُ ما ابتغيتمْ ... به شرفاً مع المُلكِ العتيدِ
وحقُّ الجارِ لا تنسوه فيكمْ ... فإنَّ الجارَ ذو الحقِّ الوكيدِ
عليكمْ باصطناعِ الخيرِ حتَّى ... تنالوا كُلَّ مكرمةٍ وجودِ
[وصية يشجب بن يعرب]
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن يشجب بن يعرب ثبت على وصية أبيه دون غيره من سائر إخوته وعشيرته، فساد الجميع بثباته على هذه الوصية، وحفظه إياها وعمله بها.