بنيَّ صِلُوا الأرحامَ كي لا تفرَّدُوا ... إذا كان طعنُ الواصلين شكُوكا
فما اللَّيثُ إلا بالعرين الَّذي بهِ ... لما شاءهُ عند الجبالِ دروكا
وليسَ امتناعُ البيتِ إلا بأهلِهِ ... وإن ... سميكا
[وصية واثلة بن كندة]
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن واثلة بن كنده بن المرتع وهو الذي يقال له الأشرس بن كندة وصَّى بنيه فقال لهم: يا بني، عليكم بالثلاثة تنالوا بها ثلاث خصال، لا ينازعكم فيه ثلاثة، شريف تعالى في شرفه، وعزيز تسامى في علو عزه، وكريم في حالق من ربائع كرمه. يا بني أجزلوا الموهبة قبل أن تسألوها لتسودوا الكرام قبل أن يسودكم مبذالها، وأجملوا الصمت في الندي يجمع لكم قوالها، واصدقوا الطعن عند الهياج ليرهب جانبكم أبطالها. أي ثلاثة لا عدمتموهن ثلاثاً تجمع لكم الكرم والسؤدد والعز.
وفي ذلك يقول أخوه يجنب بن كندة حيث يقول:
لم يُبقِ واثلةُ بن كِندةَ مرشداً ... ممَّا بهِ وصَّى بنيهِ أبوهُ
حتَّى حباهُ ذا المكارمِ سكسكاً ... فوعاهُ حفظاً والسَّكونُ أخُوهُ
وصَّاهُما بثلاثةٍ وصَّى بها ... في السَّالفات من الزَّمان ذَووهُ
لا تعدُوانِ الرُّشدَ ما عملاتها ... والمرءُ يحوي ما حواهُ أبوهُ
إنَّا لنسلُكُ مسلكا آباؤنا ... من قَبلنَا فيما مضى سلكُوهُ
وكذاكُمُ أولادُنَا أتباعُنَا ... فيما اتَّخذناهُ وما اتَّخذوهُ
لا يعرِفُونَ سوى الَّذي من قبلِنا ... آباؤنَا وجُدودُنا عرفُوهُ
كانُوا المُلُوكَ وقد ملكنا بعدهُمْ ... من أمرِ هذا النَّاس ما ملكُوهُ
ولسوفَ يملِكُ بعدنا من نسلِنَا ... تيجانَنَا شُمُّ الأنوفِ وُجُوهُ
يُوهُونَ ما رقعَ الزَّمانُ وصَرفُهُ ... عِزَّاً ولا يُوهى الَّذي رقعوهُ
[وصية معاوية الأكرمين]
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن معاوية الأكرمين وهو جد الملوك المتوجة من كندة وصَّى بنيه، فقال لهم: يا بني، أحسنوا موالاة من والاكم، واجتهدوا في معاداة من عاداكم، أما من عاداكم فأسهروا ليله، وأخيفوا نهاره، وكونوا أمامه ظلاماً، ووراءه أفاعي، وعن يمينه وشماله أسداً، افترسوه في الليل إذا تعشى، وانتهموه في النهار إذا تخلّى، فإن تركه إياكم ليس من شفقة به عليكم، ولكنه ينتظر الفرصة فيكم، ليثب وثبة الخادم على الضالة في مرصده. وأما من والاكم فارعوا ليله، واحفظوا نهاره، وكونوا له حصناً ساطعاً وركناً مانعاً وعيشاً هامعاً، وأدنى ما توجبون له من حقه أن تؤثروه بالخير عليكم، وتقوه الشر بأنفسكم، وأن تحفظوه وأقاربه، فما الناس إلا اثنان، عدو كاشح وصديق ناصح. ومعاوية هذا الذي يقول فيه عامر بن السّكون الأشرس بن كنده بن المرتع حيث يقول:
أبَتْ حادثاتُ الدَّهرِ إلا امتحانيه ... على المكروه إلا اصطباريهْ
لقد كانَ ظنِّي أنْ أوارى ولا أرى ... رجالاً بأيدِيهَا بواراً مُعاوِيَهْ
وكانَ القُوى مِنِّي فلمَّا سُلِبتهُ ... سُلِبتُ القُوى حتى استبانَ انحنائِيهْ
لقد فارقَتِنيْ يومَ فارقتُ وجههُ ... يَمينِيَ لا بلْ فارقتني شِماليَهْ
فلو كانَ يُفدَى لافتديتُ بقاءَهْ ... بنفسِيْ وأولاديْ وأهليْ وماليهْ
لقد ورثِتْ ثور بنَ نبتِ بن مالكٍ ... فتاها الَّذِي أضحتْ لَهُ وهي باكِيهْ
فكائنْ ترى في كِندةَ المُلكَ والعُلا لهُ اليومَ من راثٍ يَحنُّ وراثيةْ
معاويَ إنِّي لستُ أنساكَ ما جرتْ ... شآميةٌ في عندلٍ أو يمانيهْ
تمنَّيتُ إذ وافتْ نعاتُكَ عُذوةً ... بأن قبلها قامَتْ عليَّ نُعاتيهْ
[وصية عمرو المفضور]
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن عمرو المفضور وصى بنيه فقال لهم: يا بني، إن الدهر يومان، خير وشر، فأعدوا للخير خيراً يجمع لكم خيران في قرن واحد، وادفعوا شرَّه بالتي هي أحسن عاقبة وأجلَّ مالاً من غيرها، يا بني، اعملوا بما أوصيكم، ولا تعدوه إلى غيره، فإن الرُّشد في وصيتي والغي بما خالفها. ثم أنشأ يقول: " من البسيط "
إنْ تَجهلُوا ذِكركُم فالدَّهرُ يومانِ ... خيرٌ وشرٌ هما شيئانِ إثنانِ