ونحنُ مُلُوكُ النَّاس طُرَّاً وما لنا ... نظِيرٌ بِحزنٍ في البِلادِ ولا سهلِ
وقُدتُ جيادَ الخيلِ من سدِّ مأربٍ ... إلى يثربِ الآطامِ والحرث والنّسل
وأدركتُ رُوحَ اللهِ عيسى بنَ مريمٍ ... ولستُ لعمرُ اللهِ إذ ذاكَ بالطِّفلِ
إذا متُّ فانعونِي إلى كُلِّ سيِّدٍ ... شريفٍ وأعلُوا بالرَّزيةِ والثُّكلِ
وكُونُوا على الأعداءِ أُسداً أعِزَّةً ... وقُومُوا لتشييد المَعَالي على رحلِ
وإِنْ قامَ مِنكُمْ قائِمٌ فاسمعُوا لهُ ... ولا تخذُلُوهُ إنَّما الذُّلُ في الخذلِ
وكُونُوا لهُ حِصناً حصيناً ومعقِلاً ... منيعاً وأبلُوا يا بنيَّ مع المُبلِي
وإنْ ظالمٌ من قومِكُمْ رامَ ظُلمكُمْ ... فأغضُوا وحامُوا يا بنيَّ على الأصلِ
فلمْ يعدُ يوماً ظالِمٌ ضُرَّ نفسِهِ ... ولا الحُلمُ أسنَى بالرِّجالِ من الجهلِ
ولا تهِنُوا أنْ تأخُذُوا الفَضلَ بينكُمْ ... على قومِكُمْ إن الرِّئاسةَ في الفضلِ
ولا تِهنُوا أن تُدرِكُوا النُّبلَ إنَّنِي ... رأيتُ ذَوي العِزِّ المُداركِ للنُّبلِ
وإنْ مِنكُمُ جانٍ جنى مُصمَئلَّةً ... عواناً وأبدتْ عن نواجِذِها العُصلِ
وشالَت بِقُطريها تلظَّى وشبَّها ... لإضرامِها الغَاوُونَ بالحَطبِ الجَزلِ
فكُونُوا أمامَ العالمينَ بضربكُمْ ... وقومكمُ حدَّ الأسِنَّةِ والنَّبلِ
وإنْ كانَ من يَسعَى إلى الحربِ فاركبُوا ... صُدُورَ القَنَا بالخيلِ مِنهَا وبالرَّحْلِ
ومُوتُوا كِرَاماً بالقواضِبَ والقَنَا ... وما خيرُ موتٍ لا يكونُ من القَتلِ
وعافُوا المَنَايا بالضَّنا إنَّ في الضَّنا ... لخبلاً لِمنْ يَضنى يَزِيدُ على الخَبلِ
ويقال: إن ولد عمرو بن عامر ما زال يحفظ هذه الوصية، ويعمل بها، ويجري أموره عليها، ويوصي بها في الجاهلية والإسلام. ولها في ذلك أشعار محفوظة تتناشدها العرب في المجالس والمحافل وفي ملاقاة الرجال عند النزال وفي إكرام الضيف وحياطة المستجير ودفع الضيم والمحاماة على الحسب. من ذلك قول السموءل بن عادياء الغساني:
تُعيِّرُنَا أنَّا قليلٌ عَدِيدُنَا ... فقُلتُ لها إنَّ الكِرامَ قليلُ
وما ضرَّنَا أنَّا قليلٌ وجارُنَا ... عزيزٌ وجارُ الأكثرينَ ذليلُ
وما ماتَ منَّا ميِّتٌ في فِراشِهِ ... ولا طلَّ منَّا حيثُ كان قتيلُ
تسيلُ على حدِّ السُّيُوفِ نفوسُنَا ... وليسَ على غيرِ الحديدِ تسيلُ
ونحنُ أُناسٌ لا نرى القتلَ سُبَّةً ... إذا ما رأتهُ عامِرٌ وسَلُولُ
لنا جَبَلٌ يحتلُّهُ من نُحلُّهُ ... منيعٌ يرُدُّ الطَّرفَ وهُوَ كليلُ
وأيَّامُنَا مَشهورةٌ عُرِفت لنا ... لها غُررٌ مَشهُورةٌ وجُحُولُ
وأسيافُنا في كُلِّ شرقٍ ومغربٍ ... بها من قِراعِ الدَّراعينَ فُلُولُ
وللنابغة الذبياني في هذا المعنى، في شعره الذي يمدح به ابن عمرو بن عامر حيث يقول:
ولا عيبَ فيهِمْ غيرَ أنَّ سُيُوفهُمْ ... بهنَّ فُلُولٌ من قِراعِ الكتائِبِ
ولبعض ولد عمرو بن عامر من الأنصار في مثل ذلك: " من الوافر "
أبتْ لي عِفَّتيْ وأبى حيائي ... وأخذِي الحَمدَ بالثَّمنِ الرَّبيحِ
وإقدامِي على المكرُوهِ نَفسيْ ... وضربِيْ هامةَ البطلِ المُشِيحِ
وقولي كُلمَّا جشأتْ وجاشتْ ... مكانكِ تُحمدِيْ أو تستريحِي
لأدفع عن مكارمَ صالحاتٍ ... وأحمِيْ بعدُ عن عِرضٍ صحيحِ
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن أبا الأوس والخزرج وهو الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد أقبل على ابنيه الأوس والخزرج حين حضرته الوفاة، فقال: " من الرجز "
يُوصيكُما أبُوكُمَا ابنُ ثعلبهْ ... بما اشتهاهُ مِنكُما وأعجبهْ
منَ الخِصالِ الغُررِ المنتخبه ... بنيَّ إن العِزَّ صعبُ المكسبهْ
وما عداهُ فالخَزَى والمثلبهْ ... ورُبَّما يلقى امرؤٌ ما طلبهْ
بل رُبَّما أخطأهُ وجنَّبَهْ ... فالتمِسُوا العِزَّ ورُومُوا سببهْ