٢٦٣- اختلف الأصوليون في دخول المخاطب تحت الخطاب في مثل قول القائل لمأموره من دخل هذه الدار فأعطه درهما فلو دخل هذا المخاطب الدار فهل يعطيه المأمور بحكم اقتضاء اللفظ كما يعطى غيره من الداخلين.
قال قائلون هو بمثابة غيره ممن يدخل الدار وقال اخرون إنه غير داخل في مقتضى قول نفسه.
وتعلق هؤلاء بأمثلة لا تحقيق للتعلق بها كقوله تعالى:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ١ فإنه غير داخل في مقتضى هذا القول وإن كان جل وعلا شيئا من حيث إنه يستحيل أن يكون مخلوقا فثبت أنه لا يدخل المخاطب تحت الخطاب وهذا غير سديد فإنه ينقدح للمعترض أن يقول إنما لم يدخل من حيث إن الخلق اختراع وإيجاد لما لم يكن ولا يعقل ذلك إلا في محدث مفتتح الكون والرب تعالى قديم لم يزل فكان عدم تناول مقتضى الكلام [له] لهذا المعنى لا لامتناع دخول المخاطب تحت الخطاب.
ثم التعلق بالأمثلة والكلام في بناء القواعد والكليات ذهاب عن مسلك التحصيل فإن آحاد الأمثلة يمكن حمل الأمر فيها على جهات من التخصيص لا تنضبط فلا يستمر إذا مثل هذا في محاولة عقد الأصول.
٢٦٤- والرأي الحق عندي: أنه يدخل المخاطب تحت قوله وخطابه إذا كان اللفظ في الوضع صالحا له ولغيره ولكن القرائن هي المتحكمة وهي غالبة جدا في خروج المخاطب من حكم خطابه فاعتقد بعض الناس خروجه عن مقتضى اللفظ والوضع وذلك من حكم اطراد القرائن وغلبتها فإن من كان يتصدق بدراهم من ماله فقال في تنفيذ مراده لمأموره من دخل الدار فأعطه درهما فلا خفاء أنه لا ينبغي أن يتصدق عليه من ماله فحكمت القرائن وجرت على قضيتها واللفظ صالح ولو قال [لمن يخاطبه] من وعظك فاتعظ ومن نصحك فاقبل نصيحته فلا قرينة تخرج المخاطب فلا جرم إذا نصحه كان مأمورا بقبول نصيحته بحكم قوله الأول وبالله التوفيق.