فأما القسم المسلم فلا حاجة إلى مرادة فيه وأما الخطاب المصدر بالأمر بالتبليغ فهو يجري على حكم العموم عندنا فإن قوله:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ} على اقتضاء العموم في وضعه والقائل هو الله تعالى وحكم قول الله تعالى لا يغيره أمر مختص بالرسول عليه السلام في تبليغه وكأن التحقيق فيه بلغني من أمر ربي كذا فاسمعوه وعوه واتبعوه.
مسألة:
٢٦٧- إذا وردت صيغة مختصة في وضع اللسان برسول الله عليه السلام فالذي صار إليه أبو حنيفة وأصحابه أن الأمة معه في ذلك الخطاب شرع ولهذا تعلقوا في عقد النكاح بلفظ الهبة بقوله تعالى:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النبي أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} ١ [فالخطاب مختص به عندهم والأمة] متبعون النبي في موجبه.
٢٦٨- ونحن نقول إن جرى الكلام في مقتضى اللفظ فلا شك ولا امتراء في خروج الأمة من موجبه ولكن وراء ذلك نظر فإن أصحاب رسول الله عليه السلام كان يحتج بعضهم على بعض بالآيات التي وردت مختصة بخطاب المصطفى صلوات الله عليه وذلك لما تقرر عندهم أن الأمة مشاركون للرسول في التكاليف وليس ذلك مستمرا أيضا.
٢٦٩- وأنا أقول فيه ما ظهرت فيه خصائص الرسول عليه السلام كالنكاح والغنائم وكان إذا ورد خطاب مختص في حكم اللسان برسول الله صلى الله عليه وسلم فما أراهم كانوا يعتقدون مشاركته فيه لاقتضاء الصيغة التخصيص والعلم بخصائص رسول الله صلى الله ليه وسلم فيما ظهر الخطاب فيه فأما ما لم يظهر فيه خصائصه وورد فيه خطاب مختص به فهذا مجال النظر ولست أتحقق أيضا مسلكا قاطعا من رأيهم في طرد اعتقاد المشاركة.
٢٧٠- ومما يتعين له التنبيه الآن إلى أن يجيء تقريره في باب التأويلات أن كل ظهور يتلقى من وضع اللسان فهو الذي يثبت عندنا وجوب العمل ما لم يمنع منه مانع فأما غلبات الظنون في تقدير وقائع وعادات فما أراها [مناطا] للأحكام وإن غلب الظن فيه كما غلب في إرادة الشارع عليه السلام بلفظه ما يشعر به ظاهره.