٢٧٥- والذي نرى القطع به التعلق بمقتضى الصيغة في أصل اللسان فإنا إن نظرنا إلى معناها فهو عام وإن نظرنا إلى السبب فليس بدعا أن يسأل الرسول عليه السلام عن شيء فيذكر في مقابلته تأسيس شرع يأخذ منه السائل خطه ويسترسل مقتضى اللفظ على غيره.
فالقول البالغ فيه أن قصد التخصيص بالسبب الخاص يعارضه قصد ابتداء تمهيد الشرع فإن لم يظهر قصد تأسيس الشرع لم يترجح قصد التخصيص بالسبب فإذا تعارضا لم يحكم أحدهما على الثاني وتعين التمسك باللفظ ومقتضاه العموم ولهذا اعتقد صحبه الأكرمون عدم اختصاص ألفاظه بالمكان والزمان والمخاطبين وسبقوا إلى أن الناس الذين لم يخاطبوا مع المخاطبين شرع في الشرع ولا حاجة إلى ذلك مع ما قررناه.
وما ذكره الشافعي من الكلام على الآية فهو في غاية الحسن ولكن ما ذكر لا يفيد الحكم على الآية بل يفيد تطرق التأويل إليها ولولا ما مهدنا لكانت الآية نصا وهي من آخر ما نزل على رسول الله صلى الله ليه وسلم ولم يدع أحد من حملة علوم القرآن النسخ فيها.
٢٧٦- وأنا أقول وراء ذلك: مقتضى هذا السياق الذي هو [مستمسك] إمام دار الهجرة مالك رضي الله عنه يقتضي تحليل الحشرات والقاذورات والعذرات وغيرها من النجاسات فلا يستمر إجراء الآية على العموم مع اعتقاد هذا الذي ادعيناه [و] قطع السلف بالتحريم فيه فإن أنكر منكر هذا واندفع في تحليل هذه الأشياء علم قطعا انسلاله عن ضبط المسألة واستيطاؤه مركب العقوق فرب شيء نتحققه بعد انقراض العصور وإن لم نشهد أهلها وإن سلم مسلم تحريم ما ذكرناه ولم يقابل الحقوق بالعقوق وهاب حجاب الإنصاف فيبطل بذلك ادعاء النص في العموم.
ثم نحن وإن كنا لا نرى تطرق التخصيص إلى اللفظ مقتضيا مصير اللفظ مجملا كما سنذكره في مسائل الخصوص فإنا نعتقد أن ذلك إن جرى يخرج اللفظ عن مراتب النصوص في العموم ويلحقه بقبيل الظواهر وهذا كاف في مسلك الكلام على هذه الآية.
٢٧٧- وقد حان الآن أن نذكر ما نقل من سرف أبي حنيفة في عدم الالتفات إلى السبب فنقول أولا إذا حكمنا بتعميم اللفظ الوارد في السبب الخاص فلا شك أنا.