فيها؟ ولكل جملة معناها الخاص بها وقد يكون بعضها نفيا وبعضها إثباتا في مثل قول القائل: أقبل بنو تميم وارفضت قريش وتألبت عقيل فكيف يتحقق الاشتراك في هذه المعاني المختلفة التي لا يتصور الإشتراك فيها؟ فالواو لا تكسب الجمل إعرابا فكيف تشركها في المعنى؟ والإطناب في ذلك لا معنى له نعم تستعمل العرب الواو في تضاعيف ذكر الجمل لتحسين نظم الكلام لا للعطف المحقق والتشريك.
٢٩٠- وادعى بعض أصحاب الشافعي أن بعض أصحاب أبي حنيفة يقولون إن الرجل إذا قال: نسوتي طالق وعبيدي أحرار ودوري محبسة إن شاء الله تعالى فهذا الاستثناء راجع إلى [جميع] ما تقدم وما أراهم يسلمون ذلك إن عقلوا وإن سلموا فمطالب القطع لا يغنى فيها التعلق بمناقضات الخصم وهفواته فليبعد طالب التحقيق عن مثل هذا.
٢٩١- ونحن نقول: إذا اختلفت المعاني وتباينت جهاتها وارتبط كل معنى بجملة ثم استعقبت الجملة الأخيرة مثنوية فالرأي الحق الحكم باختصاصه بالجملة الأخيرة فإن الجمل وإن انتظمت تحت سياق واحد فليس لبعضها تعلق بالبعض كما قدمنا تقريره وإنما ينعطف الاستثناء على كلام مجتمع في غرض واحد.
وإن اختلفت المقاصد في الجمل فكل جملة متعلقة بمعناها لا تعلق لها بما بعدها والواو ليست لتغيير المعنى وإنما هي لاسترسال الكلام وحسن نظمه والجملة الأخيرة تفصل الاستثناء عن الجملة المتقدمة من حيث إن الخائض في ذكرها آخذ في معنى يخالف معنى الجملة المتقدمة مضرب عنه فيظهر والحالة هذه اختصاص الاستثناء بالجملة الأخيرة وبيان ذلك بالمثال: أن الرجل إذا قال [أكرموا من يزورنا] وقد حبست على أقاربي داري هذه وبعت عقاري الذي تعرفونه من فلان وإذا مت فأعتقوا عبيدي إلا الفاسق منهم فيبعد انصراف حكم الاستثناء إلى الحبس أو إلى الأمر بالإكرام ثم ليس يبعد قصد العطف على الجميع إذا أمكن [ولكن] يس يشعر ظاهر الكلام به فإذا قال [القائل] وقفت على بني فلان داري وحبست على أقاربي ضيعتي وسبلت على خدمي وموالى غنمي إلا أن يفسق منهم فاسق فلا يظهر اختصاص الاستثناء بالجملة الأخيرة ولا يظهر انعطافه على الجمل كلها والأمر في ذلك موقوف على المراجعة والبيان.
والسبب فيه أن مساق الخطاب في الجمل كلها واحد ولكن الجمل منفصلة في الذكر فجر اتحاد المقصود وفصل الجمل إجمالا ووقفا.