للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهزء وعد صاحبه ملغزا فالاستثناء لاستدراك قليل بالإضافة إلى المذكور أولا وهذا الذي ذكره دعوى عرية وتهاويل لا تحصيل لها ومساقها يبطل الاستثناء كرة إذ يقال للمستثنى كان من حقك ألا تعترف إلا بالفاضل بعد استثنائك فإذا قلت: عشرة لم يقبل منك نفي شيء منها والذي ذكره من أن الاستثناء في وجه حسن الكلام يقل مضمونه عن المبقى بعده فلسنا ننكر أن الأحسن ما ذكره وأما رد غيره فلا سبيل إليه ولو قال القائل: لفلان على تسعة وخمسة أسداس وخمس حبات كان ذلك تطويلا والأحسن أن يقول: لفلان على عشرة إلا حبة فليس كل ما يوضح الأحسن يرد غيره.

مسألة:

٢٩٦- ذكر الفقهاء اختلاف الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهما في الرجل إذا قال لفلان على ألف درهم إلا ثوبا ثم ذكر ثوبا لا يستغرق قيمة الألف المذكورة وذكر وجها [معقولا] في استثناء قيمة الثوب عن الألف وجعل ذكر الثوب عبارة عن قيمته فهذا مقبول عند الشافعي مردود عند أبي حنيفة وسوغ أبو حنيفة استثناء الكيل بعضه من بعض وإن اختلفت الأجناس ردا إلى التأويل الذي ذكره الشافعي في الثوب وكذلك جوز استثناء المكيل من الموزون والموزون من المكيل في مرادات وفرق وجمع بين الفقهاء.

٢٩٧- وحظ الأصول من هذه المسألة أن الجنس إذا اختلف فلا يجري الاستثناء فيه على حقيقته ومن ضرورة الاستثناء الحقيقي مجانسة المستثنى للمستثنى منه فإن صح في مسالك الظنون التعبير بالثوب عن قيمته فالمستثنى القيمة إذ هي مجانسة للمستثنى منه لا الثوب بعينه [فالأصح بعد وضوح ذلك ألا يعتقد ثبوت الاستثناء من غير الجنس فإن جرى لفظ] "إلا" في كلام فصيح لم يكن استثناء وكان ذلك بمعنى لكن مع استفتاح كلام بعده] وهو كثير في القرآن الكريم وألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلاً سَلاماً, سَلاماً} ١ [وليس السلام] من فن اللغو والتأثيم ومن ضرورة الاستثناء الحقيقي أن تستخرج شيئا كان يدخل تحت لفظك لو أطلقته مجردا عن الاستثناء فإن ذلك يكون صارفا لمقتضى اللفظ فأما مالا يفرض دخوله إذا أطلق اللفظ كيف يتخيل خروجه وهذا واضح.


١ آية "٢٥, ٢٦" سورة الواقعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>