٣٠١- والتخصيص تبيين المراد باللفظ الموضوع ظاهره للعموم فلا يقع التخصيص جزءا من الكلام الوارد عاما بل ذلك اللفظ ظاهره للاستغراق ولا يمنع أن يعنى به فإذا بان أن مطلقه عنى به خصوصا أو ظن ذلك به على ما سنذكر مسالك الظنون في التأويلات إن شاء الله تعالى فهذا هو الذي يسمى تخصيصا ولا يكون المخصص إذا نصا في العموم ولو كان نصا لما تبين أن المراد به غير ما هو نص فيه أو بعضه فهذا حقيقة الفرق.
ثم يقتضي ما ذكرناه أمورا يفترق فيها الاستثناء والتخصيص منها.
٣٠٢- أن التخصيص قد يتبين بقرائن الأحوال ولا يفرض ذلك في وضع الاستثناء فإذا قال القائل: رأيت الناس فالقرينة شاهدة بأنه لم ير جميعهم وإذا قال رأيت عشرة فلا قرينة تدل على حمل العشرة على خمسة والاستثناء يتصل فإنه يعد جزءا من الكلام كما تمهد والتخصيص لا يمتنع انفصاله [في وضع الكلام فإنه تبيين] ولا يمتنع استئخار البيان عن اللفظ في وضع اللسان كالاستثناء فإن الانفصال يخرجه عن كونه استثناء كما سبق ومن منع تأخير البيان عن مورد الخطاب فلا يأخذ منعه من وضع اللسان وإنما يتلقاه مما يعتقده من القول بالاستصلاح على ما سيأتي طرف منه بعد ذلك في حكم الخصوص والعموم.
وهذا القدر مقنع في محاولة الفرق بين البابين فإن الغرض في كل فن بيان مقصوده والازدياد بعد البيان لا يفيد.
٣٠٣- وليعلم الناظر أن ما نذكره في العموم والخصوص إنما يختص بالأسماء دون الأفعال والحروف فإن الحروف لا تستقل بمعان حتى تقدر خاصة أو عامة والأفعال لا يلحقها الجمع والتثنية كما سبق الرمز إليه وكل ما لا يتطرق إليه معنى التعميم لا يلحقه معنى التخصيص فإنهما معنيان متعاقبان على التناقض لا يثبت أحدهما إلا حيث يتصور ثبوت الثاني فانحصر طلب التعميم والتخصيص في الأسماء.
٣٠٤- ثم نحن نذكر الآن ما يقبل التخصيص وحكم اللفظ إذا خصص ثم نذكر ما يقع به التخصيص ونصل مختتم الكلام بالقول في التأويلات فلا أرى في علم الشريعة بابا أنفع منه لطالب الأصول والفروع وهذا الترتيب يقتضي ذكر حقيقة النص والظاهر والمجمل والمفسر والمتشابه والمحكم وما في كل فن من الوفاق والخلاف إن شاء الله تعالى.