للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للتخصيص بالخوف مفهوم ومنها قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ١ فظاهر الآية اختصاص [المفاداة] بحالة الشقاق وقد رأى الشافعي حمل ذلك على العرف الجاري في مثله في أن الزوجين لا يتخالعان ولا يتقامطان على الحب والمقة والتصافي وإنما تسمح المرأة ببذل المال المحبوب ويستبدل الزوج عنها مالا إذا أظهرا تقاليا وشقاقا فكان جريان التخصيص على حكم العرف وعلى هذا حمل الشافعي حديث عائشة٢ رضي الله عنها إذ روت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال٣: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" فمقتضى التخصيص لو اتسق القول بالفهوم أن يصح النكاح بلفظها إذا أذن وليها ولكن الشافعي قال إنما تزوج المرأة نفسها إذا كانت متبرجة كاشفة جلباب الحياء عن وجهها مؤثرة لنفسها الخروج عن دأب الخفرات فإذ ذاك تستبد بنفسها وإن بقي فيها ملتفت إلى الأولياء فإنها تفوض أمرها إليهم فإن عضلوها حملت خاطبها على رفع الأمر إلى القاضي فجرى التخصيص على حكم العرف أيضا ونظائر ذلك كثيرة في الكتاب والسنة فهذا مساق كلام الشافعي.

٣٨١ - والذي أراه في ذلك أن اتجاه ما ذكره من حمل الأمر على خروج الكلام على مجرى العرف لا يسقط التعلق بالمفهوم نعم يظهر مسالك التأويل ويخفف الأمر على المؤول في مرتبة الدليل العاضد للتأويل والدليل عليه أن عين التخصيص لا يتضمن نفي ما عدا المخصص ولو صير إلى ذلك ففيه تطرق إلى مذهب الدقاق وإنما ظهر نفي ما عدا المخصوص في إشعار المنطوق به شرطا أو تحديدا أو تعليلا ومقتضى اللفظ لا يسقط باحتمال يئول إلى العرف والذي يحقق ذلك أنه لما قال يعلى٤ بن أمية لعمر٥ بن الخطاب رضي الله عنهما في قوله تعالى: {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} ٦ أنقصر وقد أمنا قال عمر تعجبت مما تعجبت منه٧ ولم ينكر عليه اعتقاد المفهوم من طريق اللسان وقد صار محمد٨ بن الحسن.


١ آية "٢٢٩" سورة البقرة.
٢ سبقت ترجمتها.
٣ أبو داود "٢٠٨٣", والترمذي ١/٢٠٤, وابن ماجه "١٨٧٩", وأحمد ٦/٤٧ و ١٦٥, والدارمي ٢/١٣٧, وابن أبي شيبة ٧/٢/١, والدارقطني "٣٨١" والحاكم ٢/١٦٨, والإرواء ٦/٢٤٣ وقال: صحيح.
٤ سبقت ترجمته.
٥ سبقت ترجمته.
٦ سبقت.
٧ سبق تخريجه.
٨ محمد بن الحسن الشيباني مولاهم أبو عبد الله الكوفي, صاحب الإمام أبو حنيفة, سمع منه, ومن أبي يوسف, ومسعر بن كدام, والثوري, آخرين. ولى قضاء الرقة أيام الرشيد, ثم عزله, ومات بالري سنة "١٨٩". له ترجمة في: وفيات الأعيان "٣/٣٢٥" وتاريخ بغداد ٢/١٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>