أحدهما إبانة بطلان الاستدلال بالظاهر فيما المطلوب منه القطع لأن ظهور معناه غير مقطوع به فلا يسوغ وضع الاستدلال به [على ما هذا سبيله] وإن قدر ذلك من مستدل أشعر بجهله بأحد أمرين إما أن يجهل كونه ظاهرا أو يعتقده نصا والأمر على خلاف ما يقدره وإما أن يجهل تمييز مواقع العلوم عن مجال الظنون والجاهل بالوجه الأول أحق بأن يعذر من الجاهل بالرتبة الثانية ثم إذا فرض ذلك في المستدل فليس من حق المستدل عليه أن يشتغل بالتأويل بل يكفيه أن يبين تطرق الاحتمال وخروج اللفظ عن القواطع.
وإذا وضح ذلك التحق الظاهر في محل طلب العلم بالمجملات التي لا تستقل بأنفسها.
٤٢٨- والثاني أن الظاهر حيث لا يطلب العلم معمول به والمكلف محمول على الجريان على ظاهره في عمله وقد قدمنا في [أثناء] الكلام [في ذلك] قولا بالغا وإن حاولنا تجديد العهد به فالمعتمد فيه والأصل والتمسك بإجماع علماء السلف والصحابة ومن بعدهم فإنا نعلم على قطع أنهم كانوا يتعلقون في تفاصيل الشرائع بظواهر الكتاب والسنة وما كانوا يقصرون استدلالاتهم على النصوص ومن استراب في تعلقهم بالقياس لم يسترب في استدلالهم بالظواهر ولم يؤثر منع التعلق بالظواهر عمن بخلافه ووفاقه مبالاة وإن ظهر خلاف فاستدلالنا قاطع بالمسلك الذي ذكرناه ومستنده الإجماع وسبيل نقل الإجماع التواتر.
٤٢٩- فإن قيل أنتم تعلمون وجوب العمل بالظاهر وربط العلم بالمظنون محال وهذا رددوه مرارا وبان مسلك الحق فيه إذ قلنا: الظاهر بنفسه لا يثبت علما بوجوب العمل وإنما المفيد للعلم الإجماع فهو يقتضي العلم بوجوب العمل وليس يتطرق إليه ظن وهذا نجريه في [خبر] الواحد والأقيسة المظنونة وقد صدرنا الكتاب بذلك لما حاولنا بيان ماهية أصول الفقه فإذا تبين جواز التعلق بالظواهر في المحال التي ذكرناها وتأويل الظواهر على الجملة مسوغ إذا استجمعت الشرائط التي سنصفها إن شاء الله تعالى ولم ينكر أصل التأويل ذو مذهب وإنما الخلاف في التفاصيل وإن قدرنا فيه خلافا فالمعتمد في الرد على المخالف إجماع من سبق فإن المستدلين بالظواهر كانوا يؤولونها في مظان التأويل وهذا معلوم اضطرارا كما علم أصل الاستدلال ثم إذا ثبت جواز التأويل فلا يسوغ التحكم به اقتصارا عليه.