للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٠٩- وذهب الكعبي١ إلى أن العلم بصدق المخبرين تواترا نظري وقد كثرت المطاعن عليه من أصحابه ومن عصبة الحق والذي أراه تنزيل مذهبه عند كثرة المخبرين على النظر في ثبوت إيالة جامعة وانتفائها فلم يعن الرجل نظريا عقليا وفكرا سبريا على مقدمات ونتائج وليس ما ذكره إلا الحق.

٥١٠- وظن ظانون أن العدد معتبر فانقسموا قسمين: فاختبط قوم ولم يجدوا متعلقا عقليا فارجحنوا إلى أعداد سمعية وكان هؤلاء أبعد البرية عن درك الحق.

وتفطن آخرون لبطلان هذا المأخذ مع الإصرار على التشوف إلى العدد فغلا غالون فقالوا: هم الذين لا يحويهم بلد وهذا كلام ركيك واقتصد القاضي فضبط ما رآه دون عدد التواتر وبقى على تردد في عدد التواتر.

٥١١- ومن عجيب الأمر وهو خاتمة الكلام ما أبديه الآن قائلا الكثرة من جملة القرائن التي تترتب عليه العلوم المجتناة من العادات مع انضمام انتفاء الإيالات عنها وكل قرينة تتعلق بالعادة يستحيل أن تحد بحد أو تضبط بعد وما عندي أن ذلك يخفى على [المستطرفين] في هذا الفن فليت شعري كيف تشوفوا إلى ضبط ما يستحيل ضبطه ثم اختلفوا وتقطعوا؟.

٥١٢- وأنا أقول: المحكم في ذلك العلم وحصوله فإذا حصل استبان للعاقل ترتبه على القرائن فإن العلم في العادة لا يحصل هزلا وقد يختلف ذلك باختلاف الوقائع وعظم أخطارها وأحوال المخبرين وهذا هو المنتهى الذي ليس بعده مطلب لمتشوف.

ونحن نذكر بعد ذلك مجامع من كلام الناس في شرط التواتر وراء ما ذكرناه بعضها قريب مقتصد وبعضها باطل.

٥١٣- فمما ذكره الأصوليون في شرط التواتر استواء الطرفين والواسطة وعنوا به أن العصور إذا تناسخت فلا يكفي توافر الشرائط وكمال العدد في طرف النقل من الرسول صلى الله عليه وسلم مثلا بل ينبغي أن يدوم ذلك في كل عصر وقد ينقلب التواتر آحادا وقد يندرس ما تواتر دهرا على ما سيأتي ذلك مشروحا فالمتواتر من أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم في حقوقنا ما اطردت الشرائط فيه عصرا بعد عصر حتى انتهى إلينا وهذا لا خفاء به ولكنه ليس من شرائط التواتر وحاصل ذلك أن التواتر قد ينقلب.


١ سبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>