للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شاقا جيبه حافيا وهو يصيح بالثبور والويل ويذكر أنه أصيب بوالده أو ولده وشهدت الجنازة ورؤى الغسال مشمرا يدخل ويخرج فهذه القرائن وأمثالها إذا اقترنت بإخباره تضمنت العلم بصدقه مع القطع بأنه لم يطرأ عليه خبل وجنة والذي ذكره النظام ما أراه إلا في مثل هذه الصورة فإنه لا يخفى على غبي من حثالة الناس أن الواحد قد يخبر صادقا [وقد يخبر] كاذبا فلا تقع الثقة بأخباره.

ولكن لعله قال: لا يبعد أن يحصل الصدق بإخبار واحد فعزى إليه جزم القول في ذلك مطلقا وليس من الإنصاف نسبة رجل من المذكورين إلى الخروج عن المعقول من غير غرض.

٥٠٥- وإذ ذكرت إمكان حصول العلم بصدق مخبر واحد فإني [أفرض] تخلف العلم بالصدق عن إخبار عدد كثير وجم غفير إذا جمعتهم إيالة وضمنهم في اقتضاء الكذب حالة فإن الملك قد يواطئ قواد الجند في مكيدة ليواطئوا [بالمترتبين في جملتهم] وغرضه إخفاء أمره ليشن غارة فيقع التواطؤ على الكذب فيما أشرنا إليه ولا تعويل على العدد بمجرده أصلا.

ولكن إذا انتفى ما ذكرناه من [تقدير] جامع على التواطؤ وبلغ المخبرون مبلغا لا يقع في طرد العادة اتفاق تعمد الكذب فيهم ولا يجري ذلك من أمثالهم سهوا وغلطا أيضا فتصير حينئذ الكثرة مع انتفاء أسباب التواطؤ قرينة ملحقة بالقرائن التي ترتبت عليها العلوم فالعدد في عينه ليس مغنيا إذ يتصور معه تقدير حالة ضابطة وإيالة حاملة على الكذب رابطة للكذب.

٥٠٦- وأنا الآن أنخل للناظر جميع مصادر المذاهب ليحيط بها ويقضى العجب من الاطلاع عليها [ويتنبه لسبب] اختلاف الاراء فيها ويجعل [جزاءنا] منه دعوة بخير.

٥٠٧- أما النظام فإنما نظر إلى إمكان الصدق مع القرينة وإن اتحد المخبر ولم [يطرد] ذلك في كل أحد.

٥٠٨- ونقل النقلة عن السمنية أنهم قالوا: لا ينتهى الخبر إلى منتهى يفضي إلى العلم بالصدق وهو محمول على أن العدد وإن كثر فلا يكتفي به حتى ينضم إليه ما يجري مجرى القرينة من انتفاء الحالات الجامعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>