المخبر به نظر العقول في ضرورتها والأمر في ذلك قريب فإن الغرض منه عد ما يوصف بالصدق من الأخبار وما ذكرنا بهذه الصفة ومما يحكم بصدقه ما يقتضي اطراد العادة موافقته وهو الخبر المتواتر الذي سبق وصفه ووضح أن تلقى الصدق منه مستند إلى مستقر العادة والقرائن العرفية.
٥١٩- وذكر الأستاذ أبو إسحاق رحمه الله قسما آخر بين التواتر والمنقول آحادا وسماه المستفيض وزعم أنه يقتضي العلم نظرا والمتواتر يقتضيه ضرورة ومثل ذلك المستفيض وما يتفق عليه أئمة الحديث.
وهذا الذي ذكره مردود عليه فإن العرف واطراد الاعتياد لا يقضي بالصدق فيه ولا نرى وجها في النظر يؤدي إلى القطع بالصدق نعم ما ذكره مما يغلب على الظن الصدق فيه فأما أن يفضي إلى العلم به فلا.
٥٢٠- وقال الأستاذ أبو بكر [بن فورك رحمه الله] : الخبر الذي تلقته الأئمة بالقبول محكوم بصدقه وفصل ذلك في بعض مصنفاته فقال إن اتفقوا على العمل به لم يقطع بصدقه وحمل الأمر على اعتقادهم وجوب العمل بخبر الواحد وإن تلقوه بالقبول قولا وقطعا حكم بصدقه.
٥٢١- قال القاضي: لا يحكم بصدقه وإن تلقوه بالقبول قولا وقطعا فإن تصحيح الأئمة للخبر مجرى على حكم الظاهر فإذا استجمع خبر من ظاهره عدالة الراوي وثبوت الثقة به وغيرها مما يرعاه المحدثون فإنهم يطلقون فيه الصحة ولا وجه إذا للقطع بالصدق والحالة هذه.
ثم قيل للقاضي: لو رفعوا هذا الظن وباحوا بالصدق فماذا تقول؟ فقال مجيبا: لا يتصور هذا فإنهم لا يتوصلون إلى العلم بصدقه ولو قطعوا لكانوا مجازفين وأهل الإجماع لا يجتمعون على باطل.
٥٢٢- ومن أقسام الصدق مدلول المعجزة والتحق به صدق النبي وصدق كل من صدقه النبي عليه السلام.
٥٢٣- فأما القسم الثاني من الأقسام الثلاثة [فهو] ما يقطع بكونه كذبا وهو [متنوع فمنه ما يخالف المعقول ضرورة أو نظرا وهو مناقض لما يوافق المعقول] في القسم الأول.