وأما الإقامة فشعار مسنون ليس بالعظيم الوقع في العرف والشرع وقد يمر بالناس أيام لو روجعوا عن كيفية الإقامات في الجماعات لم يذكروها.
٥٣٤- ومما يلزم من هذا الفن اضطراب الرواة في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة عنوة وصلحا وهذا قريب [فإن أصل] دخوله عليه السلام مع أكمل العدد والعدد منقول متواترا ولا شك أنه عليه السلام لم يلق قتالا والأمر وراء ذلك تقديرات تختبط فيها النقلة فلم يلزم مع تمادى الأمر وطول الزمن استمرار حكم الشيوع فيها.
وقد نجز ما حاولناه في هذا القسم إذ قلنا: كل خبر يخالفه حكم العرف فهو كذب.
٥٣٥- ومما [نذكره] من أقسام الكذب أن يتنبأ متنبئ من غير معجزة فيقطع بكذبه وهذا مفصل عندي:
فأقول: إن تنبأ متنبئ وزعم أن الخلق كلفوا متابعته وتصديقه من غير آية فهو كاذب فإن مساقه مفض إلى تكليف ما لا يطاق وهو الأمر [بالعلم] بصدقه من غير سبيل مؤد إلى العلم فأما إذا قال ما كلف الخلق اتباعي ولكن أوحى إلى فلا يقطع بكذبه.
٥٣٦- فإن قيل: من أصلكم القول بالكرامات الخارقة للعادات فإذا أخبر المخبر أن جبلا يقلع له من أصله فهذا إخبار يخالف حكم العرف والعادة ويلزم منه أن يقال: أخبرنا مخبر ونحن في كن أن الجبل المظل القريب منا قد يقلع الآن ينبغي أن يجوز صدقه الآن حملا على الكرامة وهذا يهدم أحكام العرف وما يتلقى [منه] .
قلنا: هذا مما نستخير الله فيه فلا وجه للتشكيك في كذب هذا المخبر وإنما تجوز الكرامات وقوعا عند عموم انخراق العادات ومصير الأمر إلى حالة لا يستبعد أهل العادة صدق المخبر فيما يخبر عنه فلينعم المنتهى إلى هذا الفصل نظره وليتدبر غائلته بالبدل.
٥٣٧- فأما القسم الثالث: فهو الذي لا يقطع فيه بالصدق ولا الكذب وهو الذي نقله الاحاد من غير أن يقترن بالنقل قرينة تقتضي الصدق أو الكذب.