به متواترا لا اندفاع له إلا بدفع التواتر ولا يدفع المتواتر إلا مباهت فهذا أحد المسلكين.
والمسلك الثاني: مستند إلى إجماع الصحابة وإجماعهم على العمل بأخبار الاحاد منقول متواترا فإنا لا نستريب أنهم في الوقائع كانوا يبغون الأحكام من كتاب الله تعالى فإن لم يجدوا للمطلوب ذكرا مالوا إلى البحث عن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يبتدرون التعويل على نقل الأثبات والثقات بلا اختلاف فإن فرض مزاع بينهم فهو آيل إلى انقسامهم قسمين: فمنهم من كان يتناهى في البحث عن العدالة [الباطنة] ولا يقنع بتعديل العلانية وربما كان يضم إلى استقصائه تحليف الراوي ومنهم من كان لا يغلو في البحث فأما اشتراط التواتر فعلى اضطرار نعلم أنهم [ما كانوا] يرونه فإن أنكر منكر الإجماع فسيأتي إثباته على منكريه في أول كتاب الإجماع إن شاء الله تعالى فهذا هو المعتمد في إثبات العلم بخبر الواحد.
٥٤١- وأما الرد على من يزعم أن تكليف العمل [بخبر الواحد] يستحيل في العقل فهين فقد تكرر مرارا أن إطلاق الاستحالة يتردد بين أن يستحيل وقوعه وجودا كاستحالة اجتماع الضدين ونحوها وهذا ساقط فإن تقدير اتباع العمل عند اتفاق أمر يغلب على الظن غير مستحيل قطعا والواحد منا يكتسبه في حق مأموره وعبده والمحالات يستحيل تقدير وقوعها شاهدا وغائبا فهذا قسم.
وقد نقول: ليس يستحيل تقدير وقوعه استحالة اجتماع الضدين ولكن يستحيل وقوعه لما فيه من استفساد الخلق وهذا ينجر الآن إلى الصلاح والأصلح والاستفساد والاستصلاح وكل ذلك مرتب على التقبيح والتحسين العقليين وقد سبق القول فيهما في صدر هذا المجموع.
٥٤٢- على أنا [إن] رمنا انتقالا عن هذه المحاجة فليس يتجه لهم ادعاء نقيض الاستصلاح فإنه لا يمتنع في العقل أن يقع في علم الله تعالى أن الخلق لو كلفوا اتباع غلبات الظنون لصلحوا ولو تركوا سدى إلى وجدان اليقين لفسدوا أو كادوا فقد بطل جميع ما ذكروه وإذا تقرر الجواز عقلا وقد قامت الدلالة السمعية كما تقدم ذكره لم يبق مضطرب يلوذ الخصم به.
فإن قيل: ليس في العقل ما يوجب العمل بخبر الواحد وليس في كتاب الله تعالى ناص عليه ولا مطمع في التواتر والإجماع مع قيام النزاع ويستحيل أن يثبت.