فإن قيل فما المانع من وقوع ذلك وكل مقدور ممكن [الوقوع] وإنما لا يقع خلاف المعلوم من حيث علمناه معلوما؟ فبأي مسلك يتوصل إلى أن من يعتقد صادقا هو كذلك؟ وما يؤمن كونه كذابا ومراد الباري - سبحانه وتعالى - يعضده بخوارق العادات إظهارا للضلالات وإغواء للخلق؟ وهذا لا يليق بقدر هذا الكتاب ولكن إذا انتهى الكلام إليه نثبت بديعة شافية.
ونقول قد أجرينا في أدراج الكلام أن المعجزات تجرى مجرى قرائن الأحوال والرب سبحانه وتعالى: قادر على ألا يخلق لنا العلم الضروري بخجل الخجل عند ظهور قرائن الأحوال بل هو قادر على أن يخلق عندها الجهل ولكن تجويز ذلك لا يغض من يقيننا بالعلم الحاصل ولو فرض خرق هذه العادة لعدم العاقل مذاق هذا العلم.
وكذلك لو فرضنا ظهور المعجزة على حقها لحصل العلم ضروريا عندها مع سبق العلم بالصانع واعتقاد أنه المقتدر [بقدرته] على هذا الفن [كقدرته على كل شيء] وما أتى منكر لصدق نبي حق إلا من جهات منها التردد في إثبات صانع مختار ومنها اعتقاد الواقع تخييلا ومنها اعتقاده موصولا إليه بالغوص على العلوم والإحاطة بالخواص فأما من لم تخطر له هذه الفنون وهدى للحق الواضح واعتقد أن المعجزة فعل الله ولا يتوصل إلى مثلها محتال وقد وقعت على موافقة الدعوى فإنه لا يستريب مع ذلك في صدق من ظهرت عليه المعجزة ولو خرق الله سبحانه وتعالى: العادة في إظهارها على أيدي الكذابين لانسلت العلوم عن الصدور كما سبق تمثيله في قرائن الأحوال.
٦٥- ونقول بعد هذين الأصلين الأصل في السمعيات كلام الله تعالى وهو مستند قول النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لا يثبت عندنا كلام الله تعالى إلا [من] جهة من يثبت صدقه بالمعجزة إذا أخبر عن كلام الله تعالى فمال السمع إلى كلام الله تعالى وهو متلقى من جهة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومستند الثقة بالتلقي منه ثبوت صدقه والدال على صدقة المعجزة والمعجزة تدل من جهة نزولها منزلة التصديق بالقول وذلك مستند إلى اطراد العرف في إعقاب القرائن للعلم وثبوت العلم بأصل الكلام لله تعالى يدل عليه وجوب اتصاف العالم بالشيء بالنطق الحق.