الصدق عما هو عالم به فإذا ذكرنا في مراتب السمعيات الكتاب فهو الأصل وإذا ذكرنا السنة فمنها تلقى الكتاب والأصل الكتاب فأما الإجماع فقد أسنده معظم العلماء إلى نص الكتاب وذكروا قول الله تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرسول مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} ١ [الآية] وهذا عندنا ليس على رتبة الظاهر فضلا عن ادعاء منصب النص [فيها] وإنما يتلقى الإجماع من أمر متعلق بالعادة أولا فإن علماء الدهر إذا قطعوا أقوالهم جزما في مظنون وعلم استحالة التواطؤ منهم فالعرف يقضى باستناد اعتقادهم واتفاقهم إلى خبر مقطوع به عندهم وسيأتي ذلك مفردا في كتاب الإجماع إن شاء الله تعالى فإذا ليس الإجماع في نفسه دليلا بل العرف قاض باستناده إلى خبر والخبر مقبول من أمر الله تعالى بقبوله وأمر الله من كلامه وكلامه متلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق رسوله من مدلول تصديق الله تعالى إياه بالمعجزة وما ذكرناه من [الخبر] في أثناء الكلام عنينا به الخبر المتواتر النص الذي ثبت أصله وفحواه قطعا.
فأما خبر الواحد إن عد من مراتب السمعيات فلا نعني بذكره أنه يستقل بنفسه ولكن العمل عنده يستند إلى خبر متواتر وإلى إجماع مستند إلى الخبر المتواتر وكذلك القول في القياس.
وبالجملة أصل السمعيات كلام الله تعالى وما عداه طريق نقله أو مستند إليه فهذا بيان العقلي المحض والسمعي المحض والمتوسط بينهما.
٦٦- فإن قيل قد أثبتم النطق لله تعالى بالعقل المحض وقد عددتموه فيما تقدم من الرتبة المتوسطة قلنا الرتبة المتوسطة صدق الرسول صلى الله عليه وسلم المتعلق بالمعجزة والذي ذكرناه قبل من ثبوت الصدق متوسطا فإياه عنينا إذ لا يثبت حكم إلهي سمعي إلا بعد تقدم العلم بوجوب الصدق لله تعالى فلو كان الصدق لله تعالى في نفسه ثبت بالسمع ومستند كل سمع كلام الله تعالى لأدى [ذلك] إلى إثبات الكلام بالكلام وهذا لا سبيل إليه ولا ينتظم العقد فيه وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم لا يرتبط بالسمع أيضا وإنما يتردد بين حكم العرف وقضايا العقل.
٦٧- قال الأصوليون الأدلة العقلية هي التي [يقتضي] النظر التام فيها العلم بالمدلولات وهي تدل لأنفسها وما هي عليه من صفاتها ولا يجوز تقديرها غير دالة.