قال له الرسول عليه السلام لما بعثه إلى اليمن ["بم تحكم يا معاذ؟ " قال: بكتاب الله، قال:"فإن لم تجد؟ "، قال: بسنة رسول الله، قال:"فإن لم تجد؟ "، قال: أجتهد رأيي، فقال عليه الصلاة والسلام:"الحمد لله الذي وفق رسول رسوله لما يرضاه رسول الله"] وهو مدون في الصحاح وهو متفق على صحته١ لا يتطرق إليه التأويل فإنه رضي الله عنه انتقل من الوحي والتنزيل إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انتقل منهما عند تقديره فقدهما إلى الرأي ولا يجوز أن يقال: أراد بالرأي رأي استنباط من كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه السلام فإن ذلك لو كان على هذا الوجه لكان متعلقا بالكتاب والسنة.
٧٢١- فإن قيل: خبر الواحد لا يقتضي العلم وإثبات القياس يقتضي أمرا مقطوعا قلنا قد ثبت عندنا بالقواطع العمل بخبر الواحد كما قد تقرر في صدر كتاب الأخبار وعرفنا من طريق التواتر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أخبر معاذا أن العمل بالرأي سائغ وأخبر معاذ الذين أرسل إليهم أن النبي عليه السلام أخبرني أن العمل بالرأي إذا لم تكن الواقعة في كتاب ولا سنة واجب كانوا يتبعونه ولو روى الصديق أو غيره من أئمة الصحابة على رؤوس الإشهاد أن الرسول عليه السلام شرع القياس والعمل به لكان الذين لم يبلغهم ذلك يتلقونه بالقبول ويبتدرون إلى القياس ويسارعون إلى تمهيد قواعده وسبله وإذا كان القياس مغزاه العمل فالدال عليه دال على العمل فلا فرق بين أن يستند القياس إلى قاطع بدرجة وبين أن يستند إليه بدرجات.
٧٢٢- فهذا منتهى ما أردناه في إثبات [القياس وإثبات] تجويز التعبد بالقياس والرد على منكريه وإثبات وقوع ما أثبتنا جوازه وتتبع اعتراضات الحاحدين فيه ونحن نذكر بعد ذلك مسلك النهرواني والقاساني وابن الجبائي في تفصيل ما يقبل ويرد من النظر.
مسألة:
٧٢٣- ذهب النهرواني والقاساني إلى أن المقبول من مسالك النظر في مواقع الظنون شيئان:
أحدهما: ما دل كلام الشارع على التعليل به ولهذا صيغ منها ربط. الحكم
١ أبو داود في "الأقضية" "١١", وأحمد "٥/٢٣٠, ٢٣٦, ٢٤٢".