الجارية في نوادر الوقائع قد عدت العد وجاوزت الحد فأين يقع ما ذكره مما جرت فيه فتاوى المفتين؟ وينجر الكلام إلى المسلك المقدم في المسألة الأولى فإن أبدوا شبهة لم يخل من الوقوع في أحد الشقين: إما أن يتعرض لمنع جواز التعبد بالقياس وقد مر القول فيه مستقصى وإما أن يتعرض لعدم الوقوع مع الاعتراف بالجواز وقد تقدم القول البالغ في ذلك فما استفاد هؤلاء بما أودوه إلا اعترافا بمسائل معدودة والدليل عليهم قائم فيما أنكروه.
٧٢٧- ثم تتبع المحققون كلامهم فيما وافقوا فيه وأبدوا لهم صفحة الخلاف وطالبوهم بتثبيت ما أقروا به وقالوا: لم قلتم إن ما عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بتعليله في حق البعض فتلك العلة مطردة على الكافة مع القطع بأنها لا تدل لنفسها وإنما تدل بنصب ناصب إياها علما ولا يجب من نصبه علما في حق زيد انتصابه في حق عمرو ولو قال الرجل لمن يخاطبه: بع عبدي هذا فإنه سيء الأدب فإنه يبيعه بحكم الإذن فلو أساء عبد آخر أدبه لم يبعه جريا على تعليله بيع الأول بإساءة الأدب.
فإن قالوا: إذا قال الرجل لولده: لا تأكل هذه الحشيشة فإنها سم اقتضى ذلك نهيه عن تعاطي كل سم.
قلنا: ليس ذلك من حكم اللفظ ولكن ما أظهر من الإشفاق والحث على الحذار من مواقعة الضرر هو الذي اقتضى تعميم الأمر وقد قال المحققون لولا ما تحقق في سياق الخطاب من قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} ١ من نهاية الحث على البر لما أبعدنا النهي عن التأفيف مع الأمر بضرب العنق وقد يأمر السلطان بقتل الرجل المعظم ويتقدم إلى الجلاد بألا يستهين به قولا وفعلا.
٧٢٨- والغرض مما نذكره يتبين الآن بأمر هو الشأن كله فنقول.
إن تجرد اللفظ عن القرائن فالقياس بماذا ولا مفزع في إثباته إلا ما اعتصمنا به في إثبات وجوب النظر فإن [تمسكوا به ساقهم إلى القول بوجوب النظر] فإن مواقع فتاوى [المفتين] ليست مختصة بما ذكروه وإن اقترنت باللفظ قرينة أوجبت التعميم.
والذي قبلوه إذا موجب اللفظ وقضية ظاهره وليس من أبواب النظر في ورد ولا صدر فال حاصل الكلام قولهم بتعيين الظواهر.